ودار لكان لهم حكم الكفّ عنهم والعدل فيهم ، فلا حجة لرواية عيسى في هذا ، وعنهم أخبر الله سبحانه وتعالى بقوله (١) : (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ ...) ؛ قال سفيان بن عيينة ـ وهي :
المسألة الخامسة ـ إنّ الله ذكر الجاسوس بقوله (٢) : (سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ)؛ فهؤلاء هم الجواسيس ، ولم يعرض النبىّ صلى الله عليه وسلم لهم مع علمه بهم ؛ لأنه لم يكن حينئذ تقررت الأحكام ، ولا تمكّن الإسلام ؛ وسنبينه بعد هذا إن شاء الله تعالى.
المسألة السادسة ـ لما حكّموا النبىّ صلى الله عليه وسلم أنفذ عليهم الحكم ، ولم يكن لهم الرجوع ، وكل من حكّم رجلا في الدين فأصله هذه الآية.
قال مالك : إذا حكّم رجل رجلا فحكمه ماض ، وإن رفع إلى قاض أمضاه إلا أن يكون جورا بيّنا.
وقال سحنون : يمضيه إن رآه.
قال ابن العربي (٣) : وذلك في الأموال والحقوق التي تختصّ بالطالب ، فأما الحدود فلا يحكم فيها إلا السلطان.
والضابط أنّ كلّ حق اختص به الخصمان جاز التحكيم فيه ونفذ تحكيم المحكّم به.
وقال الشافعى : التحكيم جائز ، وهو غير لازم ؛ وإنما هو فتوى ـ قال : لأنه لا يقدم آحاد الناس الولاة والحكام ، ولا يأخذ آحاد الناس الولاية من أيديهم ، وسنعقد في تعليم التحكيم مقالا يشفى إن شاء الله تعالى ، إشارته إلى أن كل محكّم فإنه هو مفعل من حكم ؛ فإذا قال : حكمت ، فلا يخلو أن يقع لغوا أو مفيدا ، ولا بد أن يقع مفيدا ، فإذا أفاد فلا يخلو أن يفيد التكثير كقولك : كلمته وقللته ، أو يكون بمعنى جعلت له ، كقولك : ركبته وحسنته ، أى جعلت له مركوبا وحسنا ؛ وهذا يفيد جعلته حكما.
وتحقيقه أنّ الحكم بين الناس إنما هو حقّهم لا حقّ الحاكم ، بيد (٤) أنّ الاسترسال على التحكيم خرم لقاعدة الولاية ومؤدّ إلى تهارج (٥) الناس تهارج الحمر ، فلا بدّ من نصب فاصل ؛
__________________
(١ ـ ٢) سورة المائدة ، آية ٤١.
(٣) في ل : قال القاضي رضى الله عنه ، وهو المؤلف ، وانظر القرطبي (٦ ـ ١٨٠).
(٤) بيد : غير.
(٥) التهارج : التخليط والإكثار.