السّعى في الصلاح ، وإذا تحقّق الفساد لم يكن صلح ، إنما يكون حكم بالدفع (١) وإبطال للفساد وحسم له.
الآية الخامسة والثلاثون ـ قوله تعالى (٢) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ، وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ، فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ ، وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
فيها ست عشرة مسألة :
المسألة الأولى ـ قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ) ، وقد (٣) تقدّم.
المسألة الثانية ـ قوله تعالى : (الصِّيامُ) ؛ وهو في اللغة [عبارة عن] (٤) الإمساك المطلق لا خلاف فيه ولا معنى له غيره ، ولو كان القول هكذا خاصة لكان فيه كلام في العموم والإجمال ، كما سبق ذكره في الصلاة ، فلما قال تعالى : (كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) كان تفسيرا له وتمثيلا به.
المسألة الثالثة ـ قوله تعالى : (كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ).
فيه ثلاثة أقوال : قيل هم أهل الكتاب. وقيل هم النصارى. وقيل هم جميع الناس. وهذا القول الأخير ساقط ؛ لأنه قد كان الصوم على من قبلنا بإمساك (٥) اللسان عن الكلام ، ولم يكن في شرعنا ؛ فصار ظاهر القول راجعا إلى النصارى لأمرين : أحدهما أنهم الأدنون(٦) إلينا. الثاني أن الصوم في صدر الإسلام كان إذا نام الرجل لم يفطر ، وهو الأشبه بصومهم.
المسألة الرابعة ـ قوله تعالى : (كَما كُتِبَ).
وجه التشبيه فيه محتمل لثلاثة أوجه :
الزمان والقدر والوصف ، ومحتمل لجميعها ، ومحتمل لاثنين منها ؛ فإن رجع إلى الزمان فقد روى أن النصارى كانوا يصومون رمضان ، ثم اختلف عليهم الزمان فكان يأتى في الحرّ
__________________
(١) في ا : بالرفع.
(٢) الآية الثالثة والثمانون ، والرابعة والثمانون بعد المائة.
(٣) صفحة ٦١ من هذا الجزء.
(٤) ليس في م.
(٥) في م : إمساك.
(٦) الأدنون : الأقربون.