رَأَيْتَ
الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي
حَدِيثٍ غَيْرِهِ. وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ
الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).
وقد كنت قلت
لشيخنا الإمام الزاهد أبى بكر الفهري : ارحل عن أرض مصر إلى بلادك. فيقول : لا
أحبّ أن أدخل بلادا غلب عليها كثرة الجهل ، وقلّة العقل ، فأقول له : فارتحل إلى
مكة أقم في جوار الله وجوار رسوله ؛ فقد علمت أنّ الخروج عن هذه الأرض فرض لما
فيها من البدعة والحرام ، فيقول : وعلى يدي فيها هدى كثير ، وإرشاد للخلق ، وتوحيد
، وصدّ عن العقائد السيئة ، ودعاء إلى الله عز وجل ؛ وتعالى الكلام بيني وبينه
فيها إلى حدّ شرحناه في ترتيب [لباب] الرحلة واستوفيناه.
الثالث ـ الخروج
عن أرض غلب عليها الحرام ؛ فإنّ طلب الحلال فرض على كل مسلم.
الرابع ـ الفرار
من الإذاية في البدن ؛ وذلك فضل من الله عز وجلّ أرخص فيه ، فإذا خشي المرء على
نفسه في موضع فقد أذن الله سبحانه له في الخروج عنه ، والفرار بنفسه ؛ ليخلصها من
ذلك المحذور.
وأول من حفظناه
فيه الخليل إبراهيم عليه السلام لمّا خاف من قومه قال : (إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى
رَبِّي). وقال : (إِنِّي ذاهِبٌ إِلى
رَبِّي سَيَهْدِينِ). وموسى قال الله سبحانه فيه : (فَخَرَجَ مِنْها
خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ : رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).
وذلك يكثر تعداده.
ويلحق به ، وهو :
الخامس ـ خوف
المرض في البلاد الوخمة ، والخروج منها إلى الأرض النزهة.
وقد أذن النبىّ
صلّى الله عليه وسلّم للرّعاء حين استوخموا المدينة أن يتنزّهوا إلى المسرح ،
فيكونوا فيه حتى يصحّوا ، وقد استثنى من ذلك الخروج من الطاعون ؛ فمنع الله سبحانه
منه بالحديث الصحيح عن النبىّ صلّى الله عليه وسلّم ، بيد أنّى رأيت علماءنا قالوا
هو مكروه.
وقد استوفيناه في
شرح الصحيح عن النبىّ صلّى الله عليه وسلّم.
__________________