فدخل قتل الأنصارى في قوله تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً) ، ودخل قتل مقيس في قوله تعالى (١) : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ) ، وكل واحد بصفته في الآيتين بصفتهما ، والله أعلم.
المسألة الرابعة ـ قوله تعالى : (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) :
أوجب الله سبحانه في قتل الخطأ تحرير الرقبة ، وسكت في قتل العمد عنها.
واختلف العلماء في ذلك اختلافا كثيرا قديما وحديثا ، مآله أنّ أبا حنيفة ومالكا قالا : لا كفّارة في قتل العمد. وقال الشافعى : فيه الكفّارة ؛ لأنها إذا وجبت في قتل الخطأ ولا إثم فيه ففي العمد أولى.
قلنا : هذا يبعدها عن العمد ؛ لأنّ الله سبحانه لم يوجبها في مقابلة الإثم ، وإنما أوجبها عبادة ، أو في مقابلة التقصير ، وترك الحذر والتوقّى ، والعمد ليس من ذلك.
المسألة الخامسة ـ قوله : (مُؤْمِنَةٍ) :
وهذا يقتضى كمالها في صفات الدين ، فتكمل في صفات المالية حتى لا تكون معيبة ، لا سيما وقد أتلف شخصا في عبادة الله سبحانه ، فعليه أن يخلّص آخر لعبادة ربه عن شغل غيره ، وأيضا فإنما يعتق بكل عضو منه عضو منها من النار حتى الفرج بالفرج ، فمتى نقص عضو منها لم تكمل شروطها. وهذا بديع.
المسألة السادسة ـ سواء كانت الرقبة صغيرة أو كبيرة إذا كانت بين مسلمين أو لمسلم فإنه يجوز خلافا لابن عباس وجماعة من التابعين ؛ إذ قالوا : لا يجزئ إلّا من صام وصلّى وعقل الإسلام.
قال الطبري : من ولد بين المسلمين فحكمه حكم المسلمين في العتق ، كما أنّ حكمه حكم المسلمين في الجناية والإرث والصلاة عليه وجميع أحكامه (٢).
المسألة السابعة ـ قوله تعالى : (وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) :
أوجب الله تعالى الدّية في قتل الخطأ جبرا. كما أوجب القصاص في قتل العمد زجرا ، وجعل الدّية على العاقلة رفقا ؛ وهذا يدلّ على أنّ قاتل الخطأ لم يكتسب إثما ولا محرما (٣) ،
__________________
(١) سورة النساء ، آية ٩٣
(٢) في ابن كثير ١ ـ ٥٣٤ : واختار ابن جرير أنه إن كان مولودا بين أبوين مسلمين أجزأ وإلا فلا. والذي عليه الجمهور أنه متى كان مسلما صح عتقه عن الكفارة سواء كان صغيرا أو كبيرا.
(٣) في ا : غرما.