وقوله : فإنما دخل الاستثناء على ما يتضمّنه اللفظ من استحقاق المأثم فقد (١) بينّا أنّ اللفظ ليس فيه لذلك ذكر حقيقة ولا مجازا ؛ وإنما يؤخذ الإثم من دليل آخر ، وقد أشرنا نحن إلى حقيقته في أول الأمر.
وقد قال بعض النحارير : إنّ الآية نزلت في سبب ؛ وذلك أنّ أسامة لقى (٢) رجلا من المشركين في غزاة فعلاه بالسيف ، فقال : لا إله إلا الله ؛ فقتله ؛ فلما بلغ ذلك النبي صلّى الله عليه وسلّم قال : أقتلته بعد أن قال : لا إله إلا الله؟ فقال : يا رسول الله ، إنما قالها متعوّذا. فجعل يكرّر عليه : أقتلته بعد أن قال : لا إله إلا الله؟
قال : فلقد تمنّيت أنى لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم. فهذا قتل متعمّدا مخطئا في اجتهاده ؛ وهذا نفيس.
ومثله قتل أبى حذيفة يوم أحد ، فمتعلّق الخطأ غير متعلق العمد ، ومحلّه غير محله ؛ وهو استثناء منقطع أيضا منه ؛ ولذلك قالت جماعة : إنّ الآيتين نزلت في شأن مقيس بن صبابة ، فإنه أسلم هو وأخوه هشام فأصاب هشاما رجل من الأنصار من رهط عبادة بن الصامت ، وهو يرى أنه من العدوّ ، فقتله خطأ في هزيمة بنى المصطلق من خزاعة ، وكان أخوه مقيس بمكة ، فقدم مسلما فيما يظهر.
وقيل : لم يبرح من المدينة فطلب دية أخيه ، فبعث معه النبىّ صلّى الله عليه وسلّم رجلا من فهر إلى بنى النجّار في ديته ، فدفعوا إليه الدية مائة من الإبل ، فلما انصرف مقيس والفهري راجعين إلى المدينة قتل مقيس الفهري ، وارتدّ عن الإسلام ، وركب جملا منها ، وساق معه البقية ، ولحق كافرا بمكة ، وقال :
شفى النفس أن قد مات بالقاع مسندا |
|
يضرج في ثوبيه دماء الأخادع |
وكانت هموم النفس من قبل قتله |
|
تلمّ فتحمينى وطاء المضاجع |
ثأرت به فهرا وحمّلت عقله |
|
سراة بنى النجّار أرباب فارع |
حللت به وترى وأدركت ثؤرتى (٣) |
|
وكنت إلى الأوثان أوّل راجع |
__________________
(١) في ا : قد.
(٢) في ابن كثير : ١ ـ ٥٣٤ : نزلت في عياش بن أبى ربيعة ، وقيل نزلت في أبى الدرداء. ثم قال : وهذه القصة في الصحيح لغير أبى الدرداء.
(٣) في اللسان :
وأدركت ثأرى واضطجعت موسدا