قلنا له : هذا هو الاستثناء المنقطع ؛ لأنّ القتل وقع خلاف القصد ، وهو قصد إلى مشرك ، فتبيّن أنه مسلم ؛ فهذا لا يدخل تحت التكليف أمرا ولا نهيا.
ثم قال : وقول الله سبحانه : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً) ـ يقتضى أن يقال : إنما يباح له إذا وجد شرط الإباحة ، وشرط الإباحة أن يكون خطأ ، وفي هذا القول من التهافت لمن تأمّله ما يغنى عن ردّه. وكيف يتصوّر أن يقال : شرط إباحة القتل القصد أن لا يقصد ، لا همّ إلا أن يكون المقلّد ألمّ بقول المبتدعة : إنّ المأمور لا يعلم كونه مأمورا إلّا بعد تقضّى الامتثال ومضائه ؛ فالاختلال في المقال واحد والردّ واحد ، فلتلحظه في أصوله التي صنف ؛ فإنه من جنسه ؛ ثم أبطل هو هذا وكان في غنى عن ذكره وإبطاله.
ثم قال : إنّ أقرب قول فيه أن يقال : إنّ قوله سبحانه : (إِلَّا خَطَأً) اقتضى تأثيم قاتله لاقتضاء النهى ذلك ، فقوله تعالى : (إِلَّا خَطَأً) رفع للتأثيم عن قاتله ؛ وإنما دخل الاستثناء على ما تضمّنه اللفظ من استحقاق المآثم ، فأخرج منه قاتل الخطأ ، وجاء الاستثناء على حقيقته ؛ وهذا كلام من لا يعلم اللغة ولم يفهم مقاطع الشريعة ، بل قوله : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً) معناه كما قلنا جائز ضرورة لا وجودا ؛ فنفى الله سبحانه جواز ذلك لا وجوده ، فقول هذا الرجل : إنّ ذلك يقتضى تأثيم قاتله لا يصحّ ؛ لأنه ليس ضدّ الجواز التحريم وحده ؛ بل ضد الندب والكراهية على قول ، والوجوب والتحريم على آخر ، فلم عيّن هذا الرجل من نفى الجواز التحريم المؤثم. أما إنّ ذلك علم من دليل آخر لا من نفس هذا اللفظ.
ثم نقول : هبك أنّا أوجبنا الإثم عليه بهذا اللفظ ، وقلنا له : إنّ معناه الصريح أنت آثم إن قتلته ، إلا أن تقتله خطأ ، فإنه يكون استثناء من غير الجنس ؛ لأنّ الإثم أيضا إنما يرتبط بالعمد ، فإذا قال بعده : إلّا خطأ ، فهو ضدّه ، فصار منقطعا (١) عنه حقيقة وصفة ورفعا للمأثم.
__________________
(١) في ا : قطعا.