قلنا : معناه أنّ المؤمنين أبعد من ذلك بحنانهم وأخوّتهم وشفقتهم وعقيدتهم ؛ فلذلك خصّ المؤمن بالتأكيد ، ولما يترتّب عليه من الأحكام أيضا حسبما نبيّن ذلك بعد.
المسألة الثانية ـ قوله تعالى : (إِلَّا خَطَأً) :
قال علماؤنا : هذا استثناء من غير الجنس ، وله يقول النحاة الاستثناء المنقطع إذا لم يكن من جنس الأول ؛ وذلك كثير في لسان العرب ؛ وقد بينّا حقيقته في رسالة الملجئة. ومعناه أن يأتى الاستثناء على معنى ما تقدّم من اللفظ ، لا على نفس اللفظ ، كما قال الشاعر (١) :
وما بالرّبع من أحد |
|
إلّا الأوارى ............................. |
فلم تدخل الأوارىّ في لفظ أحد ، ولكن دخلت في معناه. أراد : وما بالرّبع أحد ، أى [غير] (٢) ما كان فيه ، أو أثر كله ذاهب ، إلّا الأوارى ، وكذلك قوله : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً) ؛ المعنى ما كان لمؤمن أن يفوت نفس مؤمن بكسبه إلا أن يكون بغير قصده إلى (٣) وصفه ؛ فافهمه وركّبه تجده بديعا.
المسألة الثالثة ـ أراد بعض أصحاب الشافعى أن يخرج هذا من الاستثناء المنقطع ؛ ويجعله متصلا لجهله باللغة وكونه أعجميا في السلف ؛ فقال : هو استثناء صحيح. وفائدته أنّ له أن يقتله خطأ في بعض الأحوال ، فيا لله! ويا للعالمين من هذا الكلام! كيف يصحّ في عقل عاقل أن يقول : أبيح له أن يقتله خطأ ، ومن شرط الإذن والإباحة علم المكلّف وقصده ، وذلك ضدّ الخطأ ، فالكلام لا يتحصّل معقولا.
ثم قال : وهو أن يرى عليه لبسة المشركين والانحياز إليهم كقصة حذيفة مع أبيه يوم أحد.
__________________
(١) من بيتين للنابغة هما :
وقفت بها أصيلانا أسائلها |
|
عيّت جوابا وما بالرّبع من أحد |
إلّا الأوارىّ لأيا ما أبيّنها |
|
والنؤى كالحوض بالمظلومة الجلد |
ديوان النابغة : ٢ ، وفيه : إلا أوارى.
(٢) ليس في ل.
(٣) هكذا في الأصول.