المعنى إلّا من انضاف منهم إلى طائفة بينكم وبينهم عهد ، فلا تعرضوا لهم ؛ فإنهم على عهدهم ، ثم نسخت العهود فانتسخ هذا ، وقد بيّناه في القسم الثاني بإيضاحه وبسطه.
المسألة الرابعة ـ قوله تعالى : (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ) :
هؤلاء قوم جاءوا وقالوا : لا نريد أن نقاتل معكم ولا نقاتل عليكم.
ويحتمل أن يكونوا معاهدين على ذلك ، وهو نوع من العهد ، وقالوا : لا نسلم ولا نقاتل ، فيحتمل أن يقبل ذلك منهم في أول الإسلام تألّفا حتى يفتح الله قلوبهم للتقوى ويشرحها للإسلام. والأول أظهر.
ومثله الآية التي بعدها ، وقد بسطناها بسطا عظيما في كتاب أنوار الفجر بأخبارها ومتعلّقاتها في نحو من مائة ورقة.
الآية الخامسة والأربعون ـ قوله تعالى (١) : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا ، فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ، وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً. وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها ، وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً).
فيها تسع عشرة مسألة :
المسألة الأولى ـ قوله تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً) :
معناه : وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا قتلا جائزا. أمّا أنه يوجد ذلك منه (٢) غير جائز فنفى الله سبحانه جوازه لا وجوده ؛ لأن الأنبياء صلوات الله عليهم لم يبعثوا لبيان الحسّيات وجودا وعدما ، إنما بعثوا لبيان الأحكام الشرعية إثباتا ونفيا.
فإن قيل : فهل هو جائز للكافر؟ فإن قلتم : نعم ، فقد أحلتم. وإن قلتم : لا ، فقد أبطلتم فائدة التخصيص بالمؤمن بذلك ، والكافر فيه مثله.
__________________
(١) الآية الثانية والتسعون ، والثالثة والتسعون.
(٢) في ا : معه ، وهو تحريف.