قالت فئة : اخرجوا إلى هؤلاء الجبناء فاقتلوهم. وقالت أخرى قد تكلموا بمثل ما تكلّمتم به.
الرابع ـ قال السّدّى (١) : كان ناس من المنافقين إذا أرادوا أن يخرجوا من المدينة قالوا : أصابتنا أوجاع بالمدينة ، فلعلّنا نخرج إلى الظهر حتى نتماثل ونرجع ؛ فانطلقوا فاختلف فيهم أصحاب النبىّ صلّى الله عليه وسلّم ، فقالت طائفة : أعداء الله منافقون. وقال آخرون : بل إخواننا غمّتهم المدينة فاجتووها (٢) ، فإذا برئوا (٣) رجعوا ؛ فنزلت فيهم الآية.
الخامس ـ قال ابن زيد : نزلت في ابن أبىّ حين تكلّم في عائشة.
واختار الطبري من هذه الأقوال قول من قال : إنها نزلت في أهل مكة ، لقوله تعالى: (فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ).
والصحيح ما رواه زيد. وقوله : حتى يهاجروا في سبيل الله ، يعنى حتى يهجروا الأهل والولد والمال ، ويجاهدوا في سبيل الله.
المسألة الثانية ـ أخبر الله سبحانه وتعالى أنّ الله ردّ المنافقين إلى الكفر ، وهو الإركاس ، وهو عبارة عن الرجوع إلى الحالة المكروهة ، كما قال في الرّوثة إنها رجس ، أى رجعت إلى حالة مكروهة ؛ فنهى الله سبحانه وتعالى أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم أن يتعلّقوا فيهم بظاهر الإيمان ، إذا كان أمرهم في الباطن على الكفر ، وأمرهم بقتلهم حيث وجدوهم ، وأينما ثقفوهم ؛ وفي هذا دليل على أنّ الزّنديق يقتل ، ولا يستتاب لقوله تعالى : (وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً).
فإن قيل : معناه ما داموا على حالهم. قلنا : كذلك نقول وهذه حالة دائمة ، لا نذهب عنهم أبدا ؛ لأنّ من أسرّ الكفر ، وأظهر الإيمان ، فعثر عليه ، كيف تصحّ توبته؟
المسألة الثالثة ـ قوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ).
__________________
(١) أسباب النزول : ٩٦
(٢) في ا : فأتخموها.
(٣) في ا : «بروا»