وهذا هو الأصل فيها ، وإنا لا نعمل عملا لمولانا إلّا ليعطينا ، فكيف بعضنا لبعض ، وسيأتى بيان ذلك في موضعه في سورة الروم إن شاء الله تعالى.
الآية الرابعة والأربعون ـ قوله تعالى (١) : (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً. وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً. إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ ، وَلَوْ شاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً).
فيها أربع مسائل :
المسألة الأولى ـ في سبب نزولها ، وفيه خمسة أقوال :
الأول ـ روى عبد الله بن يزيد الأنصارى عن زيد بن ثابت صاحب عن صاحب ـ أنّ (٢) النبىّ صلّى الله عليه وسلّم لما خرج إلى أحد رجعت طائفة ممن كان معه ، فكان أصحاب النبىّ صلّى الله عليه وسلّم فيهم فرقتين ، فرقة تقول : نقتلهم ، وفرقة تقول : لا نقتلهم ، فنزلت ، وهو اختيار البخاري والترمذي.
الثاني ـ قال مجاهد : نزلت في قوم خرجوا من أهل مكة حتى أتوا المدينة ، يزعمون أنهم مهاجرون فارتدّوا واستأذنوا النبىّ صلّى الله عليه وسلّم في الرجوع إلى مكة ليأتوا ببضائع ، فاختلف فيهم المؤمنون ، ففرقة تقول إنهم منافقون ، وفرقة تقول هم مؤمنون ؛ فبيّن الله سبحانه وتعالى نفاقهم.
الثالث ـ قال ابن عباس (٣) : نزلت في قوم كانوا بمكة فتكلّموا بالإسلام ، وكانوا يظاهرون المشركين ، فخرجوا من مكة يطلبون حاجة ، وإنّ المؤمنين لما أخبروا بهم
__________________
(١) الآية الثامنة والثمانون إلى الواحدة والتسعين.
(٢) ابن كثير : ٥٣٢ ، وأسباب النزول : ٩٦