وإذا ثبت هذا بقيت الآية على ظاهرها ، وإن حملوه على الهدية على مذهبنا في هبة الثواب فنستثنى منها الولد مع والده بما قررناه من الأدلّة في مسائل الخلاف ، فليطلب هنالك ، فصحّت لنا الآية على الوجهين جميعا ، والحمد لله. وبقية الكلام ينظر في مسائل الخلاف فليطلب هنالك.
وقد اختلف في معنى السلام عليكم ، فقيل : هو مصدر سلم يسلم سلامة وسلاما ، كلذاذة ولذاذا ، وقيل للجنة دار السلام ، لأنها دار السلامة من الفناء والتغير والآفات.
وقيل : السلام اسم من أسماء الله تعالى ؛ لأنه لا يلحقه نقص ، ولا يدركه آفات الخلق.
فإذا قلت : السلام عليكم فيحتمل الله رقيب عليكم. وإن أردت بيني وبينكم عقد السلامة وذمام النجاة (١).
حدثنا الحضرمي ، أخبرنا ابن منير (٢) ، أخبرنا النّيسابورى ، [أنبأنا النسائي] (٣) ، أنبأنا محمد ابن على ، سمعت أبى يقول : قال ابن عيينة : أتدرى ما السلام؟ تقول : أنت منّى آمن.
المسألة السادسة ـ قال علماؤنا : أكثر المسلمين على أنّ السلام سنّة وردّه فرض لهذه الآية.
وقال عبد الوهاب منهم : السلام وردّه فرض على الكفاية إن كانت جماعة ، وإن كان واحدا كفى واحد :
فالسلام فرض مع المعرفة ، سنّة مع الجهالة ؛ لأن المعرفة إن لم تسلّم عليه تغيّرت نفسه ، ثم يترتب السلام على حسب ما بيناه في كتب الحديث : من قائم على قاعد ، ومارّ على جالس ، وقليل على كثير ، وصغير على كبير ، إلى غير ذلك من شروطه.
المسألة السابعة ـ إذا كان الردّ فرضا بلا خلاف فقد استدلّ علماؤنا على أنّ هذه الآية دليل على وجوب الثواب في الهبة للعين ، وكما يلزمه أن يردّ مثل التحية يلزمه أن يردّ مثل الهبة.
وقال الشافعى في هبة الأجنبى ثواب ، وهذا فاسد ؛ لأن المرء ما أعطى إلا ليعطى ؛
__________________
(١) الحياة.
(٢) في ل : أبو منير.
(٣) من ل.