وقال آخر (١) :
تحييهم بيض الولائد بينهم
والمراد بهذا ـ والله أعلم ـ الكرامة بالمال ؛ لأنه قال : أو ردّوها بأحسن منها ، ولا يمكن ردّ السلام بعينه.
وظاهر الآية يقتضى ردّ التحية بعينها ، وهي الهدية ، فإما بالتعويض أو الرد بعينه ، وهذا لا يمكن في السلام ، ولا يصحّ في العارية ؛ لأنّ ردّ العين هاهنا واجب من غير تخيير.
قلنا : التحية تفعلة من الحياة ، وهي تنطلق في لسان العرب على وجوه ؛ منها البقاء ، قال زهير بن جناب (٢) :
من كل (٣) ما نال الفتى |
|
قد نلته إلّا التّحيّه |
ومنها الملك ، وقيل : إنه المراد هاهنا في بيت زهير. ومنها السلام ، وهو أشهرها ، قال الله تعالى (٤) : (وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ ، وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِما نَقُولُ).
وقد أجمع العلماء والمفسّرون أنّ المراد ها هنا بالتحية السلام حتى ادّعى هذا القائل تأويله هذا ، ونزع بما لا دليل عليه. وإن العرب عبّرت بالتحية عن الهدية فإنّ ذلك مجاز ، لأنها تجلب التحية كما يجلبها السلام ، والسلام أول أسباب التحية ، ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم (٥) : ألا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم.
وقال : أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام.
فعلى هذا يصحّ أن تسمّى الهدية بها مجازا كأنها حياة للمحبة ، ولا يصح حمل اللفظ على المجاز ، وإسقاط الحقيقة بغير دليل.
فإن قيل : نحمله عليهما جميعا. قلنا لهم : أنتم لا ترون ذلك ؛ فلا يصحّ لكم القول به ،
__________________
(١) شطر بيت للنابغة ، وتمامه :
وأكسية الإضريج فوق المشاجب
ديوانه : ٦٣ والقرطبي : ٥ ـ ٢٩٨
(٢) في ا : حباب وهو تحريف. والبيت في اللسان ـ حيي.
(٣) في القرطبي ، واللسان : ولكل.
(٤) سورة المجادلة ، آية ٨
(٥) ابن كثير : ٥٣٢