وفي هذا دليل على أنّ ما في السموات والأرض فإن ذاهب كلّه (١) ؛ والله أعلم.
الآية الحادية والأربعون ـ قوله تعالى (٢) : (فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ ، وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا ، وَاللهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً).
فيها مسألتان :
المسألة الأولى ـ ظنّ قوم أنّ القتال فرض على النبىّ صلّى الله عليه وسلّم أولا وحده ، وندب المؤمنين إليه ؛ وليس الأمر كذلك ؛ ولكنّ المسلمين كانوا سراعا إلى القتال قبل أن يفرض القتال ، فلما أمر الله سبحانه بالقتال كاع (٣) عنه قوم ، ففيهم نزلت (٤) : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ ، وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ ، وَآتُوا الزَّكاةَ) قبل أن يفرض القتال ؛ (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً) ، فقال الله تعالى لنبيه : قد بلّغت : قاتل وحدك ، (لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ ، وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ) فسيكون منهم ما كتب الله من فعلهم ؛ لأنّ الله سبحانه كان وعده بالنصر ، فلو لم يقاتل معه أحد من الخلق لنصره الله سبحانه دونهم ، وهل نصره مع قتالهم إلّا بجنده الذي لا يهزم.
وفي الحديث الصحيح (٥) أنّ النبىّ صلّى الله عليه وسلّم قال : إنّ الله تعالى أمرنى أن أحرّق قريشا. قلت : أى ربّ ؛ إذا يثلغوا (٦) رأسى فيدعوه خبزة. قال : استخرجهم كما استخرجوك ، واغزهم نعنك (٧) ، وأنفق فسننفق عليك ، وابعث جيشا نبعث خمسة مثله ، وقاتل بمن أطاعك من عصاك.
وقد قال أبو بكر الصديق في الردّة : أقاتلهم وحدي حتى تنفرد سالفتي (٨). وفي رواية ثانية : والله لو خالفتني شمالي لقاتلتها بيميني.
__________________
(١) في ا : فإن ذلك ذاهب ، وهو تحريف.
(٢) الآية الرابعة والثمانون.
(٣) في ا : كاشح. والمثبت من ل. وكاع : هاب وجبن (القاموس).
(٤) سورة النساء ، آية ٧٦
(٥) صحيح مسلم.
(٦) الثلغ : الشدخ (النهاية). وفي النهاية : إذن يثلغوا رأسى كما تثلغ الخبزة.
(٧) في مسلم : نعزك.
(٨) السالفة : صفحة العنق.