فالجواب أن نقول : هذا لا يلزم لثلاثة أوجه :
أحدها ـ أنّ من الممكن أن يفرض الباري سبحانه الزكاة قائمة لسدّ خلّة الفقراء ، ويحتمل أن يكون فرضها قائمة بالأكثر ، وترك الأقلّ ليسدّها بنذر العبد الذي يسوقه القدر إليه.
الثاني ـ أنّ النبىّ صلّى الله عليه وسلّم قد أخذ الزكاة في زمنه فلم تقم الخلّة المذكورة بالفقراء حتى كان يندب إلى الصدقة ، ويحثّ عليها.
الثالث ـ للفضلين (١) : إنّ الزكاة إذا أخذها الولاة ، ومنعوها من مستحقيها ، فبقى المحاويج فوضى ؛ هل يتعلق إثمهم بالناس أم يكون على الوالي خاصة؟
فيه نظر ؛ فإن علم أحد بخلّة مسكين تعيّن عليه سدّها دون غيره إلّا أن يعلم بها سواه ، فيتعلّق الفرض بجميع من علمها ، وقد بينا ذلك في التفسير.
الآية الموفية أربعين ـ قوله تعالى (٢) : (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ).
قال ابن القاسم : سمعت مالكا يقول : (بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) هي قصور السماء ، ألا تسمع قول الله سبحانه (٣) : (وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ).
قال علماؤنا : والبروج التي في السماء اثنا عشر برجا عند العرب ، وعند جميع الأمم : الحمل ، الثور ، الجوزاء ، السرطان ، الأسد ، السنبلة ، الميزان ، العقرب ، القوس ، الجدى ، الدلو ، الحوت. وقد يسمون الحمل الكبش ، والجوزاء التوأمين ، والسنبلة العذراء ، والعقرب الصورة ، والقوس الرامي ، والحوت السمكة. وتسمى أيضا الدلو الرشا.
قال القاضي أبو بكر : خلق الله هذه البروج منازل للشمس والقمر ، وقدّر فيها (٤) ، ورتّب الأزمنة عليها ، وجعلها جنوبية وشمالية ، دليلا على المصالح ، وعلما على القبلة ، وطريقا إلى تحصيل آناء الليل والنهار ، لمعرفة أوقات التهجّد ، وغير ذلك من أحوال المعاش والتعمّد ، وسنستوفى ذلك بيانا في موضعه إن شاء الله تعالى.
__________________
(١) هكذا في الأصول.
(٢) الآية الثامنة والسبعون.
(٣) سورة البروج ، آية ١
(٤) في ا : وقدره فيها ، وهو تحريف.