أن يواسوهم ، فإن المواساة دون المفاداة ، فإن كان الأسير غنيا فهل يرجع عليه الفادي أم لا؟ في ذلك لعلمائنا قولان ؛ أصحّهما الرجوع.
الثانية ـ فإن امتنع من عنده مال من ذلك؟
قال علماؤنا : يقاتله إن كان قادرا على قتاله ، وهو قول مالك في كتاب محمد.
فإن قتل (١) المانع الممنوع كان عليه القصاص ، فإن لم يكن قادرا على قتاله فتركه حتى مات جوعا ؛ فإن كان المانع جاهلا بوجوب المواساة كان في الميّت الدية على عاقلة المانع ، وإن كان عالما بوجوب المواساة ففي المسألة ثلاثة أقوال :
الأول ـ عليه القصاص. الثاني ـ عليه الدّية في ماله. الثالث ـ الدية على عاقلته.
وقد روى عن النبىّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال (٢) : إن الأشعريّين إذا أرملوا (٣) في الغزو أو قلّ طعامهم جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ، واقتسموه بينهم في إناء واحد بالسويّة فهم منّى وأنا منهم.
الثالثة ـ في تنقيح هذه المسألة :
قال بعض علماؤنا : روى طلحة بن عبد الله أنّ النبىّ صلّى الله عليه وسلّم لما علّم السائل معالم الدين وأركان الإسلام قال له : والزكاة؟ قال : هل علىّ غيرها؟ قال : لا ، إلا أن تطوّع.
وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم : أفلح إن صدق. دخل الجنة إن صدق.
وهذا نصّ في أنه لا يتعلق بالمال حقّ سوى الزكاة.
والصحيح أنّ هذا الحديث لا يمنع من وجوب حقّ في المال غير الزكاة لثلاثة أوجه :
أحدها ـ أنّ المراد بهذا الحديث لا فرض ابتداء في المال والبدن إلا الصلاة والزكاة والصيام ، فأمّا العوارض فقد يتوجّه فيها فرض من جنس هذه الفروض بالنذر وغيره.
الثاني ـ أنّ أركان الإسلام من الصلاة والصيام عبادات لا تتعدى المتعبّد بها. وأما المال فالأغراض به متعلّقة ، والعوارض عليه مختلفة.
فإن قيل : إنما فرض الله سبحانه الزكاة ليقوم بحقّ الفقراء أو يسدّ خلّتهم ، وإلّا فتكون الحكمة قاصرة.
__________________
(١) في ا : قيل ، وهو تحريف.
(٢) صحيح مسلم : ١٩٤٥
(٣) أرملوا : نفد زادهم (النهاية).