قال ابن وهب : قال مالك : القائل ذلك أبو بكر الصديق.
المسألة الثانية ـ حرف «لو» تدلّ على امتناع الشيء لامتناع غيره ، فأخبر الله سبحانه أنه لم يكتب ذلك علينا لعلمه بأنّ الأكثر (١) ما كان يمتثل ذلك فتركه رفقا بنا ؛ لئلا تظهر معصيتنا ، فكم من أمر قصرنا عنه مع خفّته ، فكيف بهذا الأمر مع ثقله؟ أما والله لقد ترك المهاجرون مساكنهم خاوية وخرجوا يطلبون بها عيشة راضية ، والحمد لله.
الآية السادسة والثلاثون ـ قوله تعالى (٢) : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً).
الآية فيها مسألتان :
المسألة الأولى ـ في سبب نزولها (٣) ؛ وفي ذلك روايات أشبهها ما روى سعيد بن جبير أنّ رجلا من الأنصار جاء إلى النبىّ صلّى الله عليه وسلّم وهو محزون ، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم : ما لي أراك محزونا؟ فقال : يا نبىّ الله ، نحن نعدو عليك ونروح ننظر في وجهك ونجالسك ، وغدا ترفع مع النبيين ، فلا نصل إليك ؛ فلم يردّ عليه النبىّ صلّى الله عليه وسلّم شيئا ، فأتاه جبريل بهذه الآية ؛ فبعث إليه النبىّ صلّى الله عليه وسلّم يبشره.
المسألة الثانية ـ قال ابن وهب : سمعت مالكا يقول : قال ذلك الرجل ، وهو يصف المدينة وفضلها ، يبعث منها أشراف هذه الأمة يوم القيامة ، وحولها الشهداء أهل بدر وأحد والخندق ، ثم تلا مالك هذه الآية : (فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَكَفى بِاللهِ عَلِيماً) ؛ يريد مالك في قوله : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ) هم هؤلاء الذين بالمدينة ومن حولها ، فبيّن بذلك فضلهم ، وفضل المدينة على غيرها من البقاع : مكّة وسواها ، وهذا فضل مختصّ بها ، ولها فضائل سواها بيّناها في قبس الموطأ ، وفي الإنصاف على الاستيفاء ؛ فلينظر في الكتابين.
الآية السابعة والثلاثون ـ قوله تعالى (٤) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا
__________________
(١) في ل : لعلمه لأن أكثر ما كان يمتثل.
(٢) الآية التاسعة والستون.
(٣) أسباب النزول : ٩٥ ، وابن كثير : ١ ـ ٥٢٢
(٤) الآية الواحدة والسبعون