ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً).
فيها ثلاث مسائل :
المسألة الأولى ـ الثبة : الجماعة ، والجمع فيها ثبون أو ثبين أو ثبات ، كما تقول : عضة وعضون وعضاه ، واللغتان في القرآن ، وتصغير الثبة ثبيّة ، ويقال في وسط الحوض ثبة ، لأن الماء يثوب إليه ، أى يرجع ؛ وتصغير هذه ثويبة ، لأنّ هذا محذوف الواو ، وثبة الجماعة إنما اشتقت من ثبّيت على الرجل (١) إذا أثنيت عليه في حياته وجمعت محاسن ذكره ، فيعود إلى الاجتماع.
المسألة الثانية ـ قوله تعالى : (خُذُوا حِذْرَكُمْ) :
أمر الله سبحانه المؤمنين ألّا يقتحموا على عدوهم على جهالة حتى يتحسّسوا إلى ما عندهم ، ويعلموا كيف يردون عليهم ؛ فذلك أثبت للنفوس ، وهذا معلوم بالتجربة.
المسألة الثالثة ـ أمر الله سبحانه الناس بالجهاد سرايا متفرقة أو مجتمعين على الأمير ، فإن خرجت السرايا فلا تخرج إلّا بإذن الإمام ؛ ليكون متحسّسا إليهم وعضدا من ورائهم ، وربما احتاجوا إلى درئه.
الآية الثامنة والثلاثون ـ قوله تعالى (٢) : (فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ ، وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً).
سوّى الله سبحانه في ظاهر هذه الآية بين من قتل شهيدا أو انقلب غانما ، وقد ثبت عن النبىّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال (٣) : تكفّل الله لمن جاهد في سبيله لا يخرجه من بيته إلّا الجهاد في سبيله ، وتصديق كلمته ، أن يدخله الجنة ، أو يردّه إلى مسكنه الذي خرج منه مع ما نال من أجر أو غنيمة. فغاير بينهما ، وجعل الأجر في محلّ والغنيمة في محل آخر.
وثبت عنه أيضا أنه قال : أيما سريّة أخفقت كمل لها الأجر ، وأيّما سريّة غنمت ذهب ثلثا أجرها.
__________________
(١) في اللسان : ثبيت الرجل : مدحته ، وأثنيت عليه في حياته إذا مدحته دفعة بعد دفعة.
(٢) الآية الرابعة والسبعون.
(٣) ابن كثير : ١ ـ ٥٢٤