ونحوه. فإذا كانت كذلك وجب أن تلحق بالرخص التي تكون مقرونة بأحوال الحاجة وأوقاتها ، ولا يسترسل في الجواز استرسال العزائم ؛ وإلى هذا مال جماعة من الصحابة ، واختاره مالك ؛ ومنهم من جعلها أصلا ، وجوّز نكاح الأمة مطلقا ، ومال إليه أبو حنيفة.
وقد جهل مساق الآية من ظنّ هذا ؛ فقد قال الله تعالى ما يدلّ على أنه لم يبح (١) نكاح الأمة إلّا بشرطين : أحدهما عدم الطّول. والثاني خوف العنت ؛ فجاء به شرطا على شرط ، ثم ذكر الحرائر من المؤمنات والحرائر من أهل الكتاب ذكرا مطلقا ؛ فلما ذكر الإماء المؤمنات ذكرها ذكرا مشروطا مؤكّدا مربوطا.
فإن قيل : حلقتم على دليل الخطاب بألفاظ هائلة ، وليس في هذه الآية إلا أنّ الله تعالى ذكر في نكاح الأمة وصفا أو وصفين فأردتم أن يكون الآخر بخلافه ، وهذا دليل الخطاب الذي نازعناكم فيه مذ كنّا وكنتم.
فالجواب عنه من وجهين :
أحدهما ـ أنّا نقول : دليل الخطاب أصل من أصولنا ، وقد دلّلنا عليه في أصول الفقه وحقّقناه تحقيقا لا قبل لكم به ، ومن راد دراه.
الثاني ـ أنّ هذه الآية ليست مسوقة مساق دليل (٢) الخطاب كما بينا ؛ وإنما هي مسوقة مساق الإبدال ، وإنما كانت تكون مسوقة مساق شبه دليل الخطاب لو قلنا : انكحوا المحصنات المؤمنات بطول وعند خوف عنت ، فأما وقد قال : ومن لم يستطع منكم ؛ فقرنه بالقدرة التي رتّب عليها الإبدال في الشريعة وأدخلها في بابها بعبارتها ومعناها لم يقدر أحد أن يخرجها عنها ، فليس لرجل حكمه الله واضع (٣).
ومن غريب دليل الخطاب أنّ الباري تعالى قد يخصّ الوصف بالذكر للتنبيه ، وقد يخصّه بالعرف ، وقد يخصّه باتفاق الحال ، فالأوّل كقوله تعالى : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) ، وقد قال تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) ؛ فإنه تنبيه على حالة الإثراء ، وخصّ حالة الإملاق (٤) بالنهى ؛ لأنها هي التي يمكن أن يتعرّض الأب لقتل الابن فيها. وكذلك قوله تعالى : (لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً) خصّ حالة الإكثار والإثراء التي تتعلق بها
__________________
(١) في ل : يجز.
(٢) في ل : مسوقة مساق الخطاب.
(٣) هكذا في الأصول.
(٤) في ا : الإمكان.