النفوس بالنهى ؛ فأما إذا وقع شرط مقرون بقدرة فهو نصّ في البدليّة والرخصة ، وإن وقع بتنبيه مقرونا بحالة أو عادة (١) كان ظاهرا ، كقوله صلّى الله عليه وسلّم : من باع نخلا قد أبرت (٢) فثمرها للبائع إلّا أن يشترطها المبتاع.
وقد مهدنا ذلك في مسائل الخلاف ، وبيّنا أنّ خمسة من الأدلة تقتضي في المعنى أنّ نكاح الأمة رخصة ، فلما انتهى النظر إلى هذا المقام ، ورأى المحققون من أصحاب أبى حنيفة أن نكاح الأمة رخصة ، وأنه مشروط بعد الطّول تحكّم في الطول ، وهي :
المسألة الثالثة ـ فقال : إنّ الطّول هو وجود الحرّة تحته ، فإذا كانت تحته حرّة فهو ذو طول ، فلا يجوز له نكاح الأمة ، هذا تأويل أبى يوسف.
وتحقيقه عندهم أنّ الطّول في لسان العرب هو القدرة ، والنكاح هو الوطء حقيقة ، فمعناه من لم يقدر أن يطأ حرّة فليتزوج أمة ، وهذا هو حقيقة في الذي تحته حرّة فلا ينقل إلى المجاز إلا بدليل.
أجاب علماؤنا بأن قالوا : الطول هو الغنى والسّعة ، بدليل قوله (٣) : (اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ). والنكاح هو العقد ، فمعناه من لم يكن عنده صداق حرّة فليتزوّج أمة ، وكذلك فسّره جماعة من الصحابة والتابعين ، ويعضده قوله تعالى (٤) : (ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ) ، وهذا أقوى ألفاظ الحصر ، كقوله في شروط المتعة في الحج (٥) : (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ).
وأبو حنيفة لا يشترط خوف العنت.
فإن قيل ، وهي :
المسألة الرابعة ـ فإن قدر على طول كتابيّة هل يتزوج الأمة؟ قلنا : نعم ، يتزوّجها.
فإن قيل : كيف هذا ، وهي مثل المسلمة الحرة؟ والقدرة على مثل الشيء قدرة عليه في الحكم. قلنا : ليسا مثلين بأدلّة لا تحصى كثرة وقوّة ؛ منها أنّ إماءهم لم تستو فكيف حرائرهم؟ وما لم يشترطه الله سبحانه لا نشترطه نحن ، ولا نلحق مسلمة بكافرة ؛ فأمة مؤمنة خير من حرّة مشركة بلا كلام.
__________________
(١) في ل : أو عرف.
(٢) أبرت : لقحت.
(٣) سورة التوبة ، آية ٨٦
(٤) سورة النساء ، آية ٢٥
(٥) سورة البقرة ، آية ١٩٦