الآية الموفية عشرين ـ قوله تعالى (١) : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ ، وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ).
فيها اثنتا عشرة مسألة :
المسألة الأولى ـ في حكمة الآية :
انظروا رحمكم الله إلى مراعاة الباري سبحانه لمصالحنا وحسن تقديره في تدبيره لأحكامنا ؛ وذلك أنه لما ضرب الرّقّ على الخلق عقوبة للجاني وخدمة للمعصوم ، وعلم أنّ العلاقة قد تنتظم بالرّقّ في باب الشهوة (٢) التي رتّبها جبلّة ، ورتّب النكاح عليها في اتحاد القرون وترتيب النظر ، وشرّفه لشرف فائدته ومقصوده من وجود الآدمي عليه ـ صان عنه محلّ المملوكية لثلاثة أوجه :
أحدها ـ أنّ فيها سبب الحل وطريق التحريم (٣) ، والاستمتاع يكفى.
الثاني ـ وهو المقصود ـ صيانة النّطفة عن التصوير بصورة (٤) الإرقاق.
الثالث ـ صيانة لعقد النكاح حين كثّر شروطه ، وأعلى درجته ، وكمّل صفته ؛ وقد كان سبق في علمه أنّ أحوال الخلق ستستقيم بقسمته (٥) إلى ضيق وسعة وضرورة أذن (٦) في حال الضرورة للحرّ في تعريض نطفته للإرتماق ، لئلا يكون مراعاة أمر موهوم يؤدّى إلى فساد حال متوقعة ، حتى قال بعض العلماء : إن الهوى يجيز نكاح الإماء ، وهذا منتهى نظر المحققين في مطالعة الأحكام من بحر الشرع وساحل العقل ؛ فاتخذوها مقدمة لكل مسألة تتعلّق بها.
المسألة الثانية ـ في فهم سياق الآية :
اعلموا وفقكم الله تعالى أنّ العلماء اختلفوا في سياق هذه الآية ؛ فمنهم من قال : إنها سيقت مساق الرخص ، كقوله (٧) (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ) وقوله (٨) : (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا)
__________________
(١) الآية الخامسة والعشرون.
(٢) في ا : الشهرة.
(٣) في ا : التخدم ، وهو تحريف.
(٤) في ل : بصفة.
(٥) في ل : فقسمه.
(٦) في ا : وخيره ذن ، وهو تحريف ، والمثبت من ل.
(٧) سورة النساء ، آية ٩٢
(٨) سورة النساء ، آية ٤٣ ، وسورة المائدة آية ٦