فأما حديث خاتم الحديد فخاتم في العرف يتزيّن به ، قيمته أكثر من ربع دينار ، وهذا ظاهر ؛ فتأمّل تحقيقه في موضعه.
المسألة الرابعة عشرة ـ لمّا أمر الله تعالى بالنكاح بالأموال لم يجز أن يبذل فيه ما ليس بمال ، وتحقيق المال ما تتعلّق به الأطماع ، ويعتدّ للانتفاع ، هذا رسمه في الجملة ، وفيه تفصيل.
وتحقيق بيانه في كتب المسائل يترتّب عليه أنّ منفعة الرقبة (١) في الإجارة مال ، وأنّ منفعة التعليم للعلم كله مال ، وفي جواز كونه صداقا كلام يأتى بيانه في سورة القصص إن شاء الله تعالى.
وأما عتق الأمة فليس بمال. وقال أحمد بن حنبل : هو مال يجوز النكاح بمثله ، لأنّ النبىّ صلّى الله عليه وسلّم جعله صداقا في نكاحه لصفية بنت حيىّ بن أخطب ؛ فإنه أعتقها بتزوجها وجعل عتقها صداقها ، رواه أنس في الصحيح.
وقال علماؤنا : كان النبىّ صلّى الله عليه وسلّم مخصوصا في النكاح وغيره بخصائص ، ومن جملتها أنه كان ينكح بغير ولىّ ولا صداق ، فإنه كان أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وقد أراد زينب فحرمت على زيد ، فلا يجوز أن يستدلّ بمثل هذا.
وقد حققنا خصائصه في سورة الأحزاب ، وقد عضد ذلك علماؤنا بأن قالوا : إن قوله (٢) : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) ؛ وذلك لا يتصوّر في العتق ، وقد مهدناه في مسائل الخلاف.
المسألة الخامسة عشرة ـ قوله : (مُحْصِنِينَ).
قال بعض الغافلين : إنّ قوله : (محصنين) يجوز أن يكون حالا من النساء ، كأنه يريد ابتغوهنّ غير زانيات ، ولو أراد كونها حالا (٣) للنساء لقال : محصنات غير مسافحات كما في الآية بعدها ؛ وإنما المراد بقوله : (مُحْصِنِينَ) حثّ الرّجال على حظّهم المحمود فيما أبيح لهم من الإحصان دون السفاح ؛ قيل لهم : ابتغوا بأموالكم نكاحا لا سفاحا ، والسفاح اسم الزنا.
__________________
(١) في ل : الزينة.
(٢) سورة النساء ، آية ٤
(٣) في ا : حلالا ، وهو تحريف.