وأما النظر فعند ابن القاسم أنه يحرم. وقال غيره : لا يحرم ؛ لأنه في الدرجة الثالثة شبهة في الزنا ذريعة الذريعة ، لكن الأموال تارة يغلب فيها التحليل وتارة يغلب فيها التحريم ؛ فأما الفروج فقد اتفقت الأمة فيها على تغليب التحريم ، كما أن النظر لا يحل إلا بعقد نكاح أو شراء فكذلك يحرم إذا حلّ ، أصله اللمس والوطء.
المسألة التاسعة ـ قوله تعالى : (وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ).
واحدتها حليلة ، وهي فعيلة بمعنى مفعلة ، أى محلّة. حرّم الله على الآباء نكاح أزواج أبنائهم ، كما حرّم على الأبناء نكاح أزواج آبائهم في قوله تعالى (١) : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) ؛ فكلّ فرج حلّ للابن حرّم على الأب أبدا.
المسألة العاشرة ـ الأبناء ثلاثة : ابن نسب ، وابن رضاع ، وابن تبنّ.
فأما ابن النسب فمعلوم ، ومعلوم حكمه. وأما ابن الرضاع فيجري مجرى الابن في جملة من الأحكام معظمها التحريم ؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم (٢) : يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب.
وأما ابن التبنّى فكان ذلك في صدر الإسلام ؛ إذ تبنّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زيد بن حارثة ، ثم نسخ الله تبارك وتعالى ذلك بقوله (٣) : (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ).
وفي الصحيح أنّ ابن عمر قال : ما كنّا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد حتى نزلت (٤) : (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ) ؛ وهذه هي الفائدة في قوله تعالى : (مِنْ أَصْلابِكُمْ) ليسقط ولد التبنّى ، ويذهب اعتراض الجاهل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في نكاح زينب زوج زيد ، وقد كان يدعى له ، فنهج الله سبحانه ذلك ببيانه.
المسألة الحادية عشرة ـ قوله تعالى : (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ). حرّم الله سبحانه الجمع بين الأختين ، كما حرّم نكاح الأخت ؛ والنهى يتناول الوطء ، فهو عامّ في عقد النكاح وملك اليمين ، وقد كان توقّف فيها من توقّف في أوّل وقوعها ، ثم اطّرد البيان عندهم ، واستقرّ التحريم ؛ وهو الحقّ.
المسألة الثانية عشرة ـ قوله تعالى : (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ).
__________________
(١) سورة النساء ، آية ٢٢
(٢) ابن كثير : ٤٦٩
(٣) سورة الأحزاب ، آية ٥