أما رجوعه إلى الوصية فبوجهين :
أحدهما ـ بأن يزيد على الثلث. الثاني ـ بأن يوصى لوارث فأما إن زاد على الثلث فإنه يردّ إلا أن يجيز الورثة ؛ لأنّ المنع لحقوقهم لا لحقّ الله.
وأما إن أوصى إلى وارث فإنّ الورثة يحاصّون (١) به أهل الوصايا في وصاياهم ، ويرجع ميراثا.
وقال أبو حنيفة والشافعى : تبطل ، ولا يقع به تحاصّ ، ونظرهما بيّن في إسقاط ما زاد على الثلث لبطلانه. ومطلع نظر مالك أعلى ؛ لأنا نتبيّن بوصيته للوارث مع سائر الوصايا أنه أراد تنقيص حظّ الوصايا وتخصيص وارثه ، فإن بطل أحد القصدين ، لأنّ الشرع لم يجوّزه ، لم يبطل الآخر ؛ لأن الشرع لم يمنع منه. وقد بيناه في مسائل الخلاف ، فيردّ ما أبطل الشرع ويمضى ما لم يعترض فيه.
وأما رجوع المضارّة إلى الدّين فبالإقرار في حالة لا يجوز فيها لشخص الإقرار له به ، كما لو أقرّ في مرضه لوارثه بدين أو لصديق ملاطف له ، فإنّ ذلك لا يجوز عندنا إذا تحققنا المضارّة بقوة التهمة ، أو غلب على ظننا.
وقال أبو حنيفة : يبطل الإقرار رأسا. وقال الشافعى : يصحّ.
ومطلع النظر أنّا لمحنا أنّ الموروث لما علم أنّ هبته لوارثه في هذه الحالة أو وصيّته له لا تجوز ، وقد فاته نفعه في حال الصحة عمد إلى الهبة فألقاها بصورة الإقرار لتجوّزها ؛ ويعضد هذه التهمة صورة القرابة وعادة الناس بقلة الديانة.
ومطلع نظر أبى حنيفة نحو منه ؛ لكنه ربط الأمر بصفة القرابة حين تعذّر عليه الوقوف على التهمة ، كما علقت رخص السفر بصورة السفر حين تعذّر الوقوف على تحرير المشقة ووجودها.
وراعى الشافعىّ في نظره أنّ هذه حالة إخبار عن حقّ واجب مضاف إلى سبب جائز في حالة يؤمن فيها الكافر ، ويتّقى فيها الفاجر ، ويتوب فيها العاصي ، فأمضاه عليهم ، وجوّزه.
فإن قال : الإقرار حجة شرعية فلا يؤثّر فيها المرض.
قلنا : وإن كان الإقرار حجّة شرعية [فإنّ الهبة صلة شرعية] (٢) ، ولكن حجرها المرض.
__________________
(١) حاصوا : اقتسموا حصصا (اللسان).
(٢) ليس في ل.