المسألة الثانية والخمسون ـ قال علماؤنا رحمة الله عليهم : لما أمر الله سبحانه بالتوثيق بالشهادة على الحقوق كان ذلك دليلا على المحافظة في مراعاة المال وحفظه ، ويعتضد بحديث النبي صلّى الله عليه وسلّم (١) : نهى عن قيل وقال وكثرة السؤال (٢) وإضاعة المال.
الآية الموفية تسعين ـ قوله تعالى (٣) : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً) (٤) (كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا).
فيها ثلاث مسائل :
المسألة الأولى ـ قوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها).
هذا أصل عظيم في الدين ، وركن من أركان شريعة المسلمين شرّفنا الله سبحانه على الأمم بها ، فلم يحملنا إصرا (٥) ولا كلفنا في مشقّة أمرا ، وقد كان من سلف من بنى إسرائيل إذا أصاب البول ثوب أحدهم قرضه بالمقراض ، فخفّف الله تعالى ذلك إلى وظائف على الأمم حملوها ، ورفعها الله تعالى عن هذه الأمّة ، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم : إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه.
المسألة الثانية ـ قوله تعالى : (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ).
ذكر علماؤنا هذه الآية في أنّ القود واجب على شريك الأب ، خلافا لأبى حنيفة ، وعلى شريك الخاطئ خلافا للشافعي وأبى حنيفة ، لأنّ كلّ واحد منهما قد اكتسب القتل ؛ وقالوا : إن اشتراك من لا يجب عليه القصاص مع من يجب عليه القصاص شبهة في درء ما يدرأ بالشبهة. وقد بينا ذلك في مسائل الخلاف.
المسألة الثالثة ـ قوله تعالى : (لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا).
تعلّق بذلك جماعة من العلماء في أنّ الفعل الواقع خطأ أو نسيانا ـ لغو في الأحكام،
__________________
(١) صحيح مسلم : ١٣٤١
(٢) في ا : النوال. والمثبت من ل ، ومسلم.
(٣) الآية السادسة والثمانون بعد المائتين.
(٤) الإصر : الذنب والثقل.