ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه ، ثم زجّج (١) موضعها ، ثم أتى بها إلى البحر ، فقال : اللهم إنك تعلم أنى تسلفت فلانا ألف دينار ، فسألنى كفيلا فقلت : كفى بالله كفيلا. فرضي بذلك. وسألنى شهيدا فقلت : كفى بالله شهيدا ، فرضي بذلك ، وإنى جهدت أن أجد مركبا أبعث إليه الذي له فلم أقدر. وإنى استودعتكها. فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه ثم انصرف ، [وهو] (٢) في ذلك يلتمس مركبا يخرج إلى بلده.
فخرج الرجل الذي كان أسلفه ينظر لعلّ مركبا قد جاء بماله ، فإذا بالخشبة التي فيها المال ، فأخذها لأهله حطبا ، فلما نشرها وجد المال والصحيفة ، ثم قدم الذي كان أسلفه فأتى بالألف دينار ، وقال : والله ما زلت جاهدا في طلب مركب لآتيك بمالك ، فما وجدت مركبا قبل الذي أتيت فيه. قال : هل كنت بعثت إلىّ شيئا؟ قال : أخبرك أنّى لم أجد مركبا قبل الذي جئت به. قال : فإنّ الله قد أدّى عنك الذي بعثت في الخشبة ، فانصرف بالألف دينار راشدا.
وقد روى عن سعيد الخدري أنه قرأ هذه الآية ، فقال : هذا نسخ لكلّ ما تقدم ؛ يعنى من الأمر بالكتاب والإشهاد والرهن.
المسألة الموفية خمسين ـ قوله تعالى : (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ).
هذا تفسير لقوله تعالى : (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) بكسر العين (٣) ؛ نهيه الشاهد عن أن يضرّ بكتمان الشهادة ، فإنّ ذلك إثم بالقلب كما لو حوّلها وبدّلها لكن كذبا ، وهو إثم باللسان.
المسألة الحادية والخمسون ـ إذا كان على الحق شهود تعيّن عليهم أداؤها على الكفاية ، فإن أدّاها اثنان واجتزأ بهما الحاكم سقط الفرض عن الباقين ، وإن لم يجتزئ بهما تعيّن المشي إليه حتى يقع الإثبات ، وهذا يعلم بدعاء صاحبها ، فإذا قال له : أحي حقي بأداء ما عندك لي من شهادة تعيّن ذلك عليه.
__________________
(١) زجج موضعها : أى سوى موضع النقر وأصلحه. وأصله مأخوذ من تزجيج الحواجب ، وهو حذف زوائد الشعر. ويحتمل أن يكون مأخوذا من الزج : النصل ، وهو أن يكون النقر في طرف الخشبة فترك فيه زجا ليمسكه ويحفظ ما في جوفه (النهاية).
(٢) زيادة من ل.
(٣) في يضار.