الخامس ـ أنه نقص حظّها في الميراث. قال الله تعالى (١) : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ).
السادس ـ أنها نقصت قوّتها ؛ فلا تقاتل ولا يسهم لها ، وهذه كلها معان حكمية.
فإن قيل : كيف نسب النقص إليهنّ وليس من فعلهنّ؟
قلنا : هذا من عدل الله يحطّ ما شاء ويرفع ما شاء ، ويقضى ما أراد ، ويمدح ويلوم ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون ؛ وهذا لأنه خلق المخلوقات منازل ، ورتّبها مراتب ؛ فبين ذلك لنا فعلمنا وآمنّا به وسلّمناه.
المسألة الموفية عشرين ـ قوله تعالى : (تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ).
هذا تقييد من الله سبحانه على الاسترسال على كل شاهد ، وقصر الشهادة على الرضا خاصة ؛ لأنها ولاية عظيمة ؛ إذ هي تنفيذ قول الغير على الغير ؛ فمن حكمه أن يكون له شمائل ينفرد بها ، وفضائل يتحلّى بها حتى يكون له مزيّة على غيره توجب له تلك المزية رتبة (٢) الاختصاص بقبول قوله على غيره ، ويقضى له بحسن الظن ، ويحكم بشغل ذمة المطلوب بالحق بشهادته عليه ، ويغلب قول الطالب على قوله بتصديقه له في دعواه.
المسألة الحادية والعشرون ـ قوله : (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ) : دليل على تفويض القبول في الشهادة إلى الحاكم ؛ لأنّ الرضا معنى يكون في النفس بما يظهر إليها من الأمارات عليه ، ويقوم من الدلائل المبينة له ، ولا يكون غير هذا ؛ فإنّا لو جعلناه لغيره لما وصل إليه إلا بالاجتهاد ؛ واجتهاده أولى من اجتهاد غيره.
المسألة الثانية والعشرون ـ قال علماؤنا : هذا دليل على جواز الاجتهاد والاستدلال بالأمارات والعلامات على ما خفى من المعاني والأحكام.
المسألة الثالثة والعشرون ـ هذا دليل على أنه لا يكتفى بظاهر الإسلام في الشهادة حتى يقع البحث عن العدالة ؛ وبه قال الشافعى.
وقال أبو حنيفة : يكتفى بظاهر الإسلام في الأموال دون الحدود ؛ وهذه مناقضة تسقط كلامه وتفسد عليه مرامه ، فيقول : حق من الحقوق ، فلا يكتفى في الشهادة عليه بظاهر الدين كالحدود ، وقد مهّدت المسألة في مسائل الخلاف.
__________________
(١) سورة النساء ، آية ١٠
(٢) في ا : توجب له تلك المرتبة الاختصاص. والمثبت من ل.