فتعيّن والحالة هذه أن يكون لكل صنف من هذه الأصناف الثلاثة معنى ليس لصاحبه حتى تتمّ البلاغه ، وتكمل الفائدة ، ويرتفع التداخل الموجب للتقصير ؛ وذلك بأن يكون السفيه والضعيف والذي لا يستطيع ، قريبا بعضه من بعض في المعنى ؛ فإن العرب تطلق السفيه على ضعيف العقل تارة وعلى ضعيف البدن أخرى ، وأنشدوا :
مشين كما اهتزّت رماح تسفّهت (١) |
|
أعاليها مرّ الرياح النواسم |
أى استضعفتها واستلانتها فحركتها.
وكذلك يطلق الضعيف على ضعيف العقل ، وعلى ضعيف البدن.
وقد قالوا : الضعف ـ بضم الضاد في البدن ، وفتحها في الرأى ، وقيل هما لغتان ، وكلّ ضعيف لا يستطيع ما يستطيعه القوىّ ؛ فثبت التداخل في معنى هذه الألفاظ.
وتحريرها الذي يستقيم به الكلام ويصحّ معه النظام أنّ السفيه هو المتناهي في ضعف العقل وفساده كالمجنون والمحجور عليه ، نظيره الشاهد له قوله تعالى (٢) : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً) على ما سيأتى في سورة النساء إن شاء الله تعالى.
وأما الضعيف فهو الذي يغلبه قلّة النظر لنفسه كالطفل نظيره ، ويشهد له قوله تعالى(٣) : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ).
وأما الذي لا يستطيع أن يملّ فهو الغبىّ الذي يفهم منفعته لكن لا يلفق العبارة عنها.
والأخرس الذي لا يتبين منطقه عن غرضه ؛ ويشهد لذلك أنه لم ينف عنه أنه لا يستطيع أن يملّ خاصة.
المسألة التاسعة ـ قوله تعالى : (فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ).
اختلف الناس على ما يعود ضمير وليّه على قولين :
الأول ـ قيل يعود على الحق ؛ التقدير فليملل ولىّ الحق.
الثاني ـ أنه يعود على الذي عليه الحق ؛ التقدير فليملل ولىّ الذي عليه الحق الممنوع من الإملاء بالسفه والضعف والعجز.
__________________
(١) في ا : فسفهت. والمثبت من اللسان (سفه) ، ل.
(٢) سورة النساء ، آية ٥
(٣) سورة النساء ، آية ٩