المسألة السابعة ـ قوله تعالى : (وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً).
قال علماؤنا : إنما أملى الذي عليه الحقّ ؛ لأنه المقرّ به الملتزم له ، فلو قال الذي له الحق : لي كذا وكذا لم ينفع حتى يقرّ له الذي عليه الحق ، فلأجل ذلك كانت البداءة به ؛ لأنّ القول قوله ، وإلى هذه النكتة وقعت الإشارة بقوله صلّى الله عليه وسلّم : البينة على من ادّعى (١) واليمين على من أنكر ، على نحو ما تقدم في قوله تعالى (٢) : (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَ). وفي هذه الآية أيضا نحو منه ، وهو قوله تعالى : (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ) لما كان القول قولهنّ في الذي تشتمل عليه أرحامهنّ ، وقول الشاهد أيضا فيما وعاه قلبه من علم ما عنده مما بينهما من التنازع.
المسألة الثامنة ـ قوله تعالى : (فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً) :
أما السفيه ففيه أربعة أقوال :
الأول ـ أنه الجاهل ؛ قاله مجاهد. الثاني ـ أنه الصبى. الثالث ـ أنه المرأة والصبىّ ؛ قاله الحسن. الرابع ـ المبذّر لماله المفسد لدينه ؛ قاله الشافعى.
وأما الضعيف فقيل : هو الأحمق. وقيل : هو الأخرس أو الغبىّ ، واختاره الطبري.
وأما الذي لا يستطيع أن يملّ ، ففيه ثلاثة أقوال :
أحدها ـ أنه الغبىّ ؛ قاله ابن عباس. الثاني ـ أنه الممنوع بحبسة أو عىّ. الثالث ـ أنه المجنون.
وهذا فيه نظر طويل نخبته أنّ الله سبحانه جعل الذي عليه الحق أربعة أصناف : مستقل بنفسه يملّ ، وثلاثة أصناف لا يملّون ، ولا يصح أن تكون هذه الأصناف الثلاثة صنفا واحدا أو صنفين ؛ لأن تعديد الباري سبحانه كأنه يخلو عن الفائدة ، ويكون من فن المثبّج (٣) من القول الركيك من الكلام ، ولا ينبغي هذا في كلام حكيم ، فكيف في كلام أحكم الحاكمين.
__________________
(١) في ا : على المدعى. والمثبت من ل.
(٢) سورة البقرة ، آية ٢٢٨
(٣) التثبيج : التخليط ، وكتاب مثبج. وثبج الكتاب تثبيجا : لم يبينه. والثبج : اضطراب الكلام وتفننه.