وروى أحمد بن حنبل وغيره عن ابن عباس أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال : أول من جحد آدم ـ قالها ثلاث مرات : إن الله تعالى لما خلقه مسح ظهره ، فأخرج ذريّته فعرضهم عليه ، فرأى فيهم رجلا يزهر (١) ، فقال : أى رب من هذا؟ قال : هذا ابنك داود. قال : كم عمره؟ قال : ستون سنة. قال : ربّ زد في عمره. قال : لا ، إلّا أن تزيده أنت من عمرك ، فزاده أربعين من عمره ، فكتب الله تعالى عليه كتابا وأشهد عليه الملائكة ، فلما أراد أن يقبض روحه قال : بقي من أجلى أربعون سنة. فقيل له : إنك قد جعلتها لابنك داود. قال : فجحد آدم. قال : فأخرج إليه الكتاب ، فأقام عليه البينة ، وأتمّ لداود مائة سنة ولآدم عمره ألف سنة.
المسألة الرابعة ـ في قوله تعالى : (فَاكْتُبُوهُ) إشارة ظاهرة إلى أنه يكتبه بجميع صفاته المبيّنة له المعربة عنه المعرّفة للحاكم بما يحكم عند ارتفاعهما إليه.
المسألة الخامسة ـ قوله تعالى : (وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ).
فيه وجهان :
أحدهما ـ أنّ الناس لمّا كانوا يتعاملون حتى لا يشذّ أحد منهم عن المعاملة ، وكان منهم من يكتب ومن لا يكتب ، أمر سبحانه أن يكتب بينهم كاتب بالعدل.
الثاني ـ أنه لما كان الذي له الدّين يتّهم في الكتابة للذي عليه ، وكذلك بالعكس ، شرع الله سبحانه كاتبا يكتب بالعدل ، لا يكون في قلبه ولا في قلمه هوادة لأحدهما على الآخر.
المسألة السادسة ـ قوله تعالى : (وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللهُ) :
فيها أربعة أقوال :
الأول ـ أنه فرض على الكفاية كالجهاد والصلاة على الجنائز ؛ قاله الشعبي.
الثاني ـ أنه فرض على الكاتب في حال فراغه ؛ قاله بعض أهل الكوفة.
الثالث ـ أنه ندب ؛ قاله مجاهد وعطاء.
الرابع ـ أنه منسوخ ؛ قاله الضحاك.
والصحيح أنه أمر إرشاد ؛ فلا يكتب حتى يأخذ حقّه.
__________________
(١) زهر السراج والقمر والوجه كمنع : تلألأ. وأزهر النبات : نور.