وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا ، وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ، ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ ، فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها ، وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ ، وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
هي آية عظمى في الأحكام ، مبيّنة جملا من الحلال والحرام ، وهي أصل في مسائل البيوع ، وكثير من الفروع ، جماعها على اختصار مع استيفاء الغرض دون الإكثار في اثنتين وخمسين مسألة :
المسألة الأولى ـ في حقيقة الدّين :
هو عبارة عن كل معاملة كان أحد العوضين فيها نقدا والآخر في الذمّة نسيئة ، فإنّ العين عند العرب ما كان حاضرا ، والدّين ما كان غائبا ، قال الشاعر :
وعدتنا بدرهمينا طلاء |
|
وشواء معجّلا غير دين |
والمداينة مفاعلة منه ، لأنّ أحدهما يرضاه والآخر يلتزمه ، وقد بيّنه الله تعالى بقوله : (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى).
المسألة الثانية ـ قال أصحاب أبى حنيفة : عموم قوله تعالى : (إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) يدخل تحته المهر إلى أجل ، والصّلح عن دم العمد ، ويجوز فيه شهادة النساء ؛ وهذا وهم ، فإن هذه الشهادة إنما هي على النكاح المشتمل على المهر وعلى الدم المفضى إلى الصّلح ، والمهر في النكاح والمال في الدم بيع ؛ وإنما جاءت الآية لبيان حكم حال دين مجرد ومال مفرد ؛ فعليه يحمل عموم الشهادة وإليه يرجع.
المسألة الثالثة ـ قوله تعالى : (فَاكْتُبُوهُ).
يريد يكون صكّا ليستذكر به عند أجله ، لما يتوقع من الغفلة في المدة التي بين المعاملة وبين حلول الأجل ، والنسيان (١) موكل بالإنسان ، والشيطان ربما حمل على الإنكار ، والعوارض من موت وغيره تطرأ ؛ فشرع الكتاب والإشهاد ، وكان ذلك في الزمان الأول.
__________________
(١) في ل : فالنسيان.