فإن قيل : فقد قال في غيره من الديون (١) : (لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً).
قلنا : سنتكلم على الآية في موضعها إن شاء الله تعالى.
فإن قيل : وبم تعلم العسرة؟
قلنا : بأن لا نجد له مالا ؛ فإن قال الطالب : خبأ مالا. قلنا للمطلوب : أثبت عدمك ظاهرا ويحلف باطنا ، والله يتولى السرائر.
المسألة الرابعة ـ ما الميسرة التي يؤدّى بها (٢) الدين؟
وقد اختلف الناس فيها اختلافا متباينا بيناه في مسائل الفقه. تحرير قول علمائنا : أنه يترك له ما يعيش به الأيام وكسوة لباسه ورقاده ، ولا تباع ثياب جمعته ، ويباع خاتمه. وتفصيل الفروع في المسائل.
المسألة الخامسة ـ قوله تعالى : (وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ).
قال علماؤنا : الصدقة على المعسر قربة ؛ وذلك أفضل عند الله من إنظاره إلى الميسرة ، بدليل ما روى حذيفة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال : تلقّت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم ، قالوا : عملت من الخير شيئا؟ قال : كنت آمر فتيانى أن ينظروا الموسر ويتجاوزوا عن المعسر. قال الله عزّ وجلّ : تجاوزوا عنه.
وقد روى عن أبى اليسر كعب بن عمرو أنه قال : من أنظر معسرا أو وضع عنه ، أظلّه الله في ظلّه ؛ وهذا مما لا خلاف فيه.
الآية التاسعة والثمانون ـ قوله تعالى (٣) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ ، وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللهُ ، فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ ، وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً ، فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً ، أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى
__________________
(١) سورة آل عمران ، آية ٧٥
(٢) في ل : إليها.
(٣) الآية الثانية والثمانون بعد المائتين.