المسألة الخامسة ـ من معنى هذه الآية ، وهي في التي بعدها قوله تعالى (١) : (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ).
ذهب بعض الغلاة من أرباب الورع إلى أنّ المال الحلال إذا خالطه حرام حتى لم يتميز ، ثم أخرج منه مقدار الحرام المختلط به لم يحلّ ، ولم يطب ؛ لأنه يمكن أن يكون الذي أخرج هو الحلال ، والذي بقي هو الحرام ، وهو غلوّ في الدين ؛ فإن كلّ ما لم يتميز فالمقصود منه ماليّته لا عينه ، ولو تلف لقام المثل مقامه ، والاختلاط إتلاف لتميزه ، كما أنّ الإهلاك إتلاف لعينه ، والمثل قائم مقام الذاهب ، وهذا بيّن حسّا بيّن معنى ، والله أعلم.
الآية الثامنة والثمانون ـ قوله تعالى (٢) : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
فيها خمس مسائل :
المسألة الأولى ـ في سبب نزولها (٣) :
قد تقدم أنها نزلت في الرّبا عند ذكر الآية قبلها.
المسألة الثانية ـ في المعنى المقصود بها :
فيها ثلاثة أقوال :
الأول ـ أنّ المقصود بها ربا الدّين خاصة ، وفيه يكون الإنظار ؛ قاله ابن عباس وشريح القاضي والنخعي.
الثاني ـ أنه عامّ في كل دين ، وهو قول العامة.
الثالث ـ قال متأخّر وعلمائنا : هو نصّ في دين الرّبا ، وغيره من الديون مقيس عليه.
المسألة الثالثة ـ في التنقيح :
أما من قال إنه في دين الربا فضعيف ، ولا يصحّ ذلك عن ابن عباس ؛ فإنّ الآية وإن كان أولها خاصا ، فإنّ آخرها عام ، وخصوص أولها لا يمنع من عموم آخرها ، لا سيما إذا كان العامّ مستقلّا بنفسه.
ومن قال : إنه نصّ في الربا ، وغيره مقيس عليه فهو ضعيف ؛ لأنّ العموم قد يتناول الكل فلا مدخل للقياس فيه.
__________________
(١) من الآية التاسعة والسبعين بعد المائتين.
(٢) الآية الثمانون بعد المائتين.
(٣) أسباب النزول : ٥١