المسألة الثالثة ـ قال علماؤنا : الربا في اللغة هو الزيادة ، ولا بدّ في الزيادة من مزيد عليه تظهر الزيادة به ؛ فلأجل ذلك اختلفوا هل هي عامّة في تحريم كلّ ربا ، أو مجملة لا بيان لها إلا من غيرها؟
والصحيح أنها عامّة ؛ لأنهم كانوا يتبايعون ويربون ، وكان الربا عندهم معروفا ، يبايع الرجل الرجل إلى أجل ، فإذا حلّ الأجل قال : أتقضى أم تربى؟ يعنى أم تزيدني على مالي عليك وأصبر أجلا آخر. فحرّم الله تعالى الربا ، وهو الزيادة ؛ ولكن لما كان كما قلنا لا تظهر الزيادة إلا على مزيد عليه ، ومتى قابل الشيء غير جنسه في المعاملة لم تظهر الزيادة ، وإذا قابل جنسه لم تظهر الزيادة أيضا إلا بإظهار الشرع ، ولأجل هذا صارت الآية مشكلة على الأكثر ، معلومة لمن أيّده الله تعالى بالنّور الأظهر.
وقد فاوضت فيها علماء ، وباحثت رفعاء ، فكلّ منهم أعطى ما عنده حتى انتظم فيها سلك المعرفة بدرره وجوهرته العليا.
إنّ من زعم أنّ هذه الآية مجملة فلم يفهم مقاطع الشريعة ؛ فإنّ الله تعالى أرسل رسوله صلّى الله عليه وسلّم إلى قوم هو منهم بلغتهم ، وأنزل عليهم كتابه ـ تيسيرا منه ـ بلسانه ولسانهم ؛ وقد كانت التجارة والبيع عندهم من المعاني المعلومة ، فأنزل عليهم مبيّنا لهم ما يلزمهم فيهما ويعقدونهما عليه ، فقال تعالى (١) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ).
والباطل ، كما بيناه في كتب الأصول ، هو الذي لا يفيد وقع التعبير به عن تناول المال بغير عوض في صورة (٢) العوض.
والتجارة هي مقابلة الأموال بعضها ببعض. وهو البيع ؛ وأنواعه في متعلقاته بالمال كالأعيان المملوكة ، أو ما في معنى المال كالمنافع ، وهي ثلاثة أنواع : عين بعين ، وهو بيع النقد ؛ أو بدين مؤجّل وهو السّلم ، أو حالّ وهو يكون في التمر (٣) أو على رسم الاستصناع. أو بيع عين بمنفعة وهو الإجارة.
__________________
(١) سورة النساء ، آية ٢٩
(٢) في ل : في صفة العوض.
(٣) في ا : الثمن.