والربا في اللغة هو الزيادة ، والمراد به في الآية كلّ زيادة لم يقابلها عوض ؛ فإنّ الزيادة ليست بحرام لعينها ، بدليل جواز العقد عليها على وجهه ؛ ولو كانت حراما ما صحّ أن يقابلها عوض ، ولا يرد عليها عقد كالخمر والميتة وغيرها.
وتبيّن أنّ معنى الآية : وأحلّ الله البيع المطلق الذي يقع فيه العوض على صحّة القصد والعمل ، وحرّم منه ما وقع على وجه الباطل.
وقد كانت الجاهلية تفعله كما تقدم ، فتزيد زيادة لم يقابلها عوض ، وكانت تقول : إنما البيع مثل الرّبا ؛ أى إنما الزيادة عند حلول الأجل آخرا مثل أصل الثمن في أول العقد ؛ فردّ الله تعالى عليهم قولهم ، وحرّم ما اعتقدوه حلالا عليهم ، وأوضح أنّ الأجل إذا حلّ ولم يكن عنده ما يؤدى أنظر إلى الميسرة تخفيفا ، يحققه أنّ الزيادة إنما تظهر بعد تقدير العوضين فيه ، وذلك على قسمين :
أحدهما ـ تولّى الشرع تقدير العوض فيه ، وهو الأموال الرّبوية ، فلا تحلّ الزيادة فيه.
وأما الذي وكله إلى المتعاقدين فالزيادة فيه على قدر مالية العوضين عند التقابل على قسمين : أحدهما ـ ما يتغابن الناس بمثله فهو حلال بإجماع. ومنه ما يخرج عن العادة ؛ واختلف علماؤنا فيه ، فأمضاه المتقدّمون وعدّوه من فنّ التجارة ، وردّه المتأخرون ببغداد ونظرائها وحدّوا المردود بالثلث.
والذي أراه أنه إذا وقع عن علم المتعاقدين فإنه حلال ماض ؛ لأنهما يفتقران إلى ذلك في الأوقات ، وهو داخل تحت قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ). وإن وقع عن جهل من أحدهما فإنّ الآخر بالخيار.
وفي مثله ورد الحديث أنّ رجلا كان يخدع في البيوع فذكر لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم : فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : إذا بايعت فقل (١) : لا خلابة. زاد الدارقطني وغيره : ولك الخيار ثلاثا ، وقد مهّدناه في شرح الحديث ومسائل الخلاف ؛ فهذا أصل علم هذا الباب.
__________________
(١) صحيح مسلم : ١١٦٥ ، والخلابة : الخديعة ؛ أى لا تحل لك خديعتى ، أو لا يلزمني خديعتك.