فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : إنه ليغضب علىّ ألّا أجد ما أعطيه! من سأل منكم وله أوقية أو عدلها (١) فقد سأل إلحافا. فقال الأسدى : للقحة (٢) لنا خير من أوقية.
وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : من سأل وله أوقية فهو ملحف.
فتبيّن بهذا أن الملحف هو الذي يسأل الرجل بعد ما ردّه عن نفسه ، أو يسأل وعنده ما يغنيه عن السؤال ، إلا أن يسأل زائدا على ما عنده ، ويغنيه وهو محتاج إليه ؛ فذلك جائز.
وسمعت بجامع الخليفة ببغداد رجلا يقول : هذا أخوكم يحضر الجمعة معكم ، وليس له ثياب يقيم بها سنّة الجمعة ، فلما كان في الجمعة الأخرى رأيت عليه ثيابا جددا ، فقيل لي : كساه إياها فلان لأخذ الثناء بها.
ويكرر المسألة إذا ردّه المسئول والسائل يعلم أنه قادر على ما سأله إياه أو جاهل بحاله ، فيعيد عليه السؤال إعذارا أو إنذارا ثلاثا لا يزيد عليه ، وذلك جائز ، والأفضل تركه. والله أعلم.
الآية السابعة والثمانون ـ قوله تعالى (٣) : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا).
هذه الآية من أركان الدين ، وفيها خمس مسائل :
المسألة الأولى ـ في سبب نزولها : ذكر من فسر أن الله تعالى لما حرّم الربا قالت ثقيف : وكيف ننتهي عن الربا ، وهو مثل البيع ، فنزلت فيهم الآية.
المسألة الثانية ـ قال علماؤنا قوله تعالى : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا) : كناية عن استجابة في البيع وقبضه باليد ؛ لأن ذلك إنما يفعله المربى قصدا لما يأكله ، فعبّر بالأكل عنه ، وهو مجاز من باب التعبير عن الشيء بفائدته وثمرته ، وهو أحد قسمي المجاز كما بيّنّاه في غير موضع.
__________________
(١) العدل : المثل.
(٢) اللقحة ـ بالكسر والفتح : الناقة القريبة العهد بالنتاج ، والجمع لقح.
وناقة لقوح : إذا كانت غزيرة اللبن. وناقة لاقح : إذا كانت حاملا. واللقاح : ذوات الألبان ، الواحد لقوح.
وفي ل : للقحتنا خير من أوقية.
(٣) الآية الخامسة والسبعون بعد المائتين.