المسألة الخامسة ـ (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) : ثبت عن النبىّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال (١) : ليس المسكين الذي تردّه اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان ، إنما المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ، ولا يفطن له فيتصدّق عليه ، ولا يقوم فيسأل الناس.
المسألة السادسة ـ الواجب على معطى الصدقة كان إماما أو مالكا أن يراعى أحوال الناس ، فمن علم فيه صبرا على الخصاصة وتحلّيا بالقناعة آثر عليه من لا يستطيع الصبر ، فربما وقع في التسخّط ، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم في الصحيح : إنى لأعطى الرجل وغيره أحبّ إلىّ منه مخافة أن يكبّه الله في النار على وجهه.
المسألة السابعة ـ قوله تعالى : (إِلْحافاً).
معناه الشمول بالمسألة إمّا للناس وإمّا في الأموال ؛ فيسأل من الناس جماعة ، ويسأل من المال أكثر مما يحتاج إليه وبناء (ل ح ف) للشمول ، ومنه اللحاف ؛ وهو الثوب الذي يشتمل به ، ونحوه الإلحاح ؛ يقال : ألحف في المسألة إذا شمل رجالا أو مالا ، وألحّ فيها إذا كرّرها.
وروى المفسّرون عن قتادة أنه قال : ذكر لنا أنّ النبىّ صلّى الله عليه وسلّم قال : إن الله يحبّ الحليم الحيىّ الغنىّ النفس المتعفّف ، ويبغض الغنىّ الفاحش البذىّ السائل الملحف.
ولم يصح لهذا الحديث أصل ، ولا عرف له سند ، لكن روى مسلم عن معاوية قال(٢): قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : لا تلحفوا في المسألة فو الله لا يسألنى أحد منكم شيئا فتخرج له مسألته منى شيئا وأنا كاره فيبارك الله له فيما أعطيته.
وروى مالك عن الأسدى أنه قال : نزلت أنا وأهلى ببقيع الغرقد (٣) ، فقال لي أهلى: اذهب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسله لنا شيئا نأكله ، وجعلوا يذكرون من حاجتهم. فذهبت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوجدت عنده رجلا يسأله ، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : لا أجد ما أعطيك. فولّى الرجل عنه وهو مغضب ، وهو يقول : لعمرك إنّك لتعطى من شئت.
__________________
(١) صحيح مسلم : ٧١٩
(٢) صحيح مسلم : ٧١٨
(٣) بقيع الغرقد : مقبرة النبي ؛ لأن منبتها كان الغرقد ، وهو شجر عظام أو شجر العوسج (القاموس ـ غرقد).