ذلك في التطوع ؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم : أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردّها على فقرائكم.
وقال أبو حنيفة : تصرف إليهم صدقة الفطر ، لحديث يروى عن ابن مسعود أنه كان يعطى الرهبان من صدقة الفطر ؛ وهذا حديث ضعيف لا أصل له.
ودليلنا أنها صدقة طهر (١) واجبة ، فلا تصرف إلى الكافر كصدقة الماشية والعين. وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم : أغنوهم عن سؤال هذا اليوم ـ يعنى يوم الفطر.
المسألة الثالثة ـ إذا كان مسلما عاصيا فلا خلاف أنّ صدقة الفرض تصرف إليه ، إلا أنه إذا كان يترك أركان الإسلام من الصلاة والصيام فلا تصرف إليه الصدقة حتى يتوب ، وسائر المعاصي تصرف الصدقة إلى مرتكبها لدخولهم في اسم المسلمين.
وفي الحديث الصحيح : أنّ رجلا خرج بصدقته فدفعها ، فقيل تصدّق على سارق ، فقال : على سارق؟ فأوحى الله تعالى : لعله يستعفّ عن سرقته ... الحديث.
الآية السادسة والثمانون ـ قوله تعالى (٢) : (لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ ، تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ).
فيها سبع مسائل :
المسألة الأولى ـ (لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا) : سيأتى تحقيق الفقر في آية الصدقة.
المسألة الثانية ـ من هم؟
قيل : هم فقراء المهاجرين. والصحيح أنهم فقراء المسلمين.
المسألة الثالثة ـ لا خلاف في هذه الآية وغيرها أنّ الصدقة على فقراء المسلمين أفضل من غيرهم. ويحكى عن جابر بن زيد أنّ الصدقة لا تعطى لكافر ، ومعناه صدقة الفرض.
المسألة الرابعة ـ قوله تعالى : (تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ) قيل : هو الخشوع.
وقيل : الخصاصة ؛ وهو الصحيح ؛ لأنّ الخشوع قد يكون على الغنى ؛ قال تعالى(٣): (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) ؛ فعمّ الفقير والغنى.
__________________
(١) في ا : طهرة.
(٢) الآية الثالثة والسبعون بعد المائتين.
(٣) سورة الفتح : ٢٩