فإن قيل : فقد روى الترمذي وأبو داود أن النبىّ صلى الله عليه وسلم قال : طلاق الأمة طلقتان ، وعدتها حيضتان.
قلنا : يرويه مظاهر بن أسلم ، وهو ضعيف ؛ ألا ترى أنه جعل فيه اعتبار العدّة والطلاق بالنساء جميعا ، ولا يقول السّلف بهذا ؛ فقد روى النسائي وأبو داود عن ابن عباس أنه سأل عن مملوك كانت تحته مملوكة فطلّقها طلقتين ثم أعتقا : أيصلح له أن يتزوّجها؟ قال : نعم ، قضى بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولأنّ كل ملك إنما يعتبر بحال المالك لا بحال المملوك. وبيانه في مسائل الخلاف.
المسألة الثامنة ـ قال الشافعى : يؤخذ من هذه الآية أنّ السراح من صريح ألفاظ الطلاق الذي لا يفتقر إلى نيّة ، وليس مأخوذا من هذه الآية ، وإنما يؤخذ من الآية التي بعدها. ويأتى الكلام عليه إن شاء الله تعالى.
ولا يمتنع أن يكون المراد بقوله تعالى : (أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) الطّلقة الثالثة كما بيّنا ، ويكون قوله تعالى بعد ذلك : (فَإِنْ طَلَّقَها) بيانا لحكم الحرة الواقع (١) عليها ، وهو الشرط الأول بعينه ـ كما قال الله تعالى ـ في تفسيرنا وتفسير الشافعى من أنّ الأول هو الثاني.
المسألة التاسعة ـ قوله تعالى : (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ) :
ظنّ جهلة من الناس أنّ الفاء هنا للتعقيب ، وفسّر أنّ الذي يعقب الطلاق من الإمساك الرّجعة ؛ وهذا جهل بالمعنى واللسان :
أما جهل المعنى فليست الرجعة عقيب (٢) الطّلقتين ، وإنما هي عقيب الواحدة كما هي عقيب الثانية ، ولو لزمت حكم التعقيب في الآية لاختصّت بالطلقتين.
وأما الإعراب فليست الفاء للتعقيب هنا ، ولكن ذكر أهل الصناعة فيها معاني ، أمّهاتها ثلاثة : أحدها ـ أنها للتعقيب ، وذلك في العطف ، تقول : خرج زيد فعمرو. الثاني ـ السبب (٣) ، وذلك في الجزاء ، تقول : إن تفعل خيرا فالله يجزيك ؛ فهو بعده ؛ لكن ليس معقبا عليه. الثالثة ـ زائدة ، كقولك : زيد فمنطلق ، كما قال الشاعر :
__________________
(١) في ل : بيانا بالحكم الواقع عليها.
(٢) في ا : عقب.
(٣) في ا : التسبب.