المسنون ؛ وقد كنا نقول بأنّ غيره ليس بمشروع ، لو لا تظاهر الأخبار والآثار وانعقاد الإجماع من الأمّة بأن من طلّق طلقتين أو ثلاثا أنّ ذلك لازم له ، ولا احتفال بالحجّاج وإخوانه من الرافضة ، فالحقّ كائن قبلهم. فأمّا مذهب أبى حنيفة في أنه حرام فلا معنى للاشتغال به هاهنا ؛ فإنه متفق معنا على لزومه إذا وقع. وقد حققنا (١) ذلك في مسائل الخلاف.
المسألة الخامسة ـ في تحقيق القول في قوله : «مرّة» ؛ وهي عبارة في اللغة عن الفعلة الواحدة في الأصل ، لكن غلب عليها الاستعمال ، فصارت ظرفا ، وقد بيّنا ذلك في كتاب ملجئة المتفقهين إلى معرفة غوامض النحويين.
المسألة السادسة ـ قوله تعالى : (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ).
قيل : الإمساك بالمعروف الرجعة الثانية بعد الطلقة الثانية ، والتسريح الطلقة الثالثة وقيل : التسريح بإحسان الإمساك حتى تنقضي العدة ، وكلاهما ممكن مراد ، قال الله تعالى (٢) : (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) ؛ يعنى إذا قاربن انقضاء العدة فراجعوهنّ أو فارقوهنّ.
وقد يكون الفراق بإيقاع الطلاق الذي قاله حينئذ. وقد يكون إذا راجعها وقال بعد ذلك ، وقد يكون بالسكوت عن الرجعة حتى تنقضي العدّة ؛ فليس في ذلك تناقض.
وقد قال قوم : إنّ التسريح بإحسان هي الطلقة الثالثة ، وورد في ذلك حديث أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : التسريح بإحسان هي الطلقة الثالثة. ولم يصحّ.
المسألة السابعة ـ هذه الآية عامة في أنّ الطلاق ثلاث في كل زوجين ، إلا أنّ الزوجين إن كانا مملوكين فذلك من هذه الآية مخصوص ، ولا خلاف في أنّ طلاق الرقيق طلقتان ؛ فالأولى في حقه مرة ، والثانية تسريح بإحسان ، لكن قال مالك والشافعى : يعتبر عدده برقّ الزوج. وقال أبو حنيفة : يعتبر عدده برقّ الزوجة.
وقد قال الدارقطني : ثبت أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم قال : الطلاق بالرجال والعدّة بالنساء. والتقدير : الطلاق معتبر بالرجال ، ولا يجوز أن يكون معناه الطلاق موجود بالرجال ، لأنّ ذلك مشاهد ، لا يجوز أن يعتمده النبىّ صلى الله عليه وسلم بالبيان.
__________________
(١) في ا : تحققنا.
(٢) سورة الطلاق ، آية ٢