فما مؤمل غير غفرانك ، ولا أنا براج غير رضوانك ، ثمّ ركع ركعات ، ولمّا فرغ اتّجه إلى الله بالدّعاء ، والبكاء ، والبث والشّكوى ، فكان ممّا ناجى به : «إلهي أفكر في عفوك فتهون عليّ خطيئتي ، ثمّ أذكر العظيم من أخذك ، فتعظم عليّ بليتي. آه إن أنا قرأت في الصّحف سيئة أنا ناسيها ، وأنت محصيها ، فتقول خذوه ، فياله من مأخوذ ، لا تنجيه عشيرته ، ولا تنفعه قبيلته ، ولا يرحمه الملأ إذا أذن فيه بالنّداء! آه من نار تنضج الأكباد والكرلى! آه من نار نزّاعة للشّوى! آه من غمرة من ملهبات لظى! ثمّ أنعم بالبكاء ، ثمّ سكت لا يسمع له حس ، ولا حركة.
قال أبو الدّرداء : فأتيته فإذا هو كالخشبة الملقاة ، فحرّكته ة فلم يتحرّك ، فقلت : (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) (١) ، مات والله عليّ بن أبي طالب. فأتيت منزله أنعاه لفاطمة ، فقالت فاطمة لأبي الدّرداء : «ما كان من شأنه؟ فلمّا أخبرها ، قالت : هي والله الغشية الّتي تأخذه من خشية الله» (٢).
وكان الإمام زين العابدين عليهالسلام في الصّلاة فسقط ولده في البئر فلم ينثن عن صلاته ، وحين فرغ منها مدّ يده ، وأخرجه ، وقال : أنّي كنت بين يدي جبّار ، لو ملت بوجهي عنه لمال عنّي بوجهه» (٣). وإذا كان أهل البيت يهتمون بالصّلاة هذا الإهتمام حتّى في الحرب ، وساعة العسرة ، فكيف يدّعي التّشيّع لهم من يتركها ويتهاون بها في السّلم ، وساعات الفراغ ، ويفضّل عليها اللهو والمجون.
ومرّة ثانية نكرّر القول بأنّ التّشيّع يرتكز على الإعتقاد بالله ، والرّسول ، واليوم
__________________
(١) البقرة : ١٥٦.
(٢) انظر ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١٨ / ٢٢٥ ، الأمالي للشّيخ الصّدوق : ١٣٧ ، روضة الواعظين : ١١٢ ، مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب : ١ / ٣٨٩.
(٣) انظر ، الهداية الكبرى : ٢١٥ ، دلائل الإمامة : ١٩٨ ، مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٢٧٨.