أجل ، أنّهم يطلبونه بأكثر من ذلك ، يطلبونه بما طلبه النّمرود من إبراهيم الخليل. وبما طلبه فرعون من موسى الكليم ، وبما طلبه أبو سفيان من محمّد الحبيب ، وما طلبه معاوية من عليّ المرتضى ، أنّهم يطلبون؟!
أن لا يوجد شيء على الكرة يقال له دين ، وإيمان ، وعدالة ، وإنسانيّة ، ويأبى الحسين إلّا الدّين ، لأنّه لا شيء أعظم من الدّين عند الحسين ، أنّه أعظم من الأرواح ، ومن الأنبياء ، والأوصياء ، فكم من نبيّ قدّم نفسه فداء للدّين؟! وكم من إمام استشهد من أجل حمايته وصيانته؟! أنّ عظمة الدّين لا يساويها شيء لأنّها من عظمة الله الّذي ليس كمثله شىء.
وما أدرك هذه الحقيقة أحد كما أدركها النّبيّ ، وأهل بيته ، ومن أجل ذلك بذلوا في سبيله ما لم يبذله إنسان ، وعبدوا الله عبادة الخبير بما له من عظمة وسلطان ، فلقد أجهد النّبيّ نفسه في صلاة حتّى تورّمت قدماه (١) ، وحتّى عاتبه الله بقوله : (طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) (٢). وقد كان من عادة الإمام إذا سجد أصابته غشية لا يحس معها بمن حوله ، قال أبو الدّرداء :
«رأيت عليّا ، وقد اعتزل في مكان خفي ، وسمعته ذ ، وهو لا يشعر بمكاني ، يناجي ربّه ، ويقول : إلهي إن طال في عصيانك عمري ، وعظم في الصّحف ذنبي
__________________
ـ الطّبري : ٤ / ٢٨٠ ـ ٢٨١.
(١) انظر ، مسند أحمد : ٤ / ٢٥١ ، سنن النّسائي : ٣ / ٢١٩ ، شرح مسلم : ١٧ / ١٦٢ ، مجمع الزّوائد : ٢ / ٢٧١ ، تحفة الأحوذي : ٢ / ٣٨٣ ، المصنّف ، للصّنعاني : ٣ / ٥٠ ، مسند الحميدي : ٢ / ٣٣٥ ، السّنن الكبرى : ١ / ٤١٨ ، صحيح ابن حبّان : ٢ / ٩ ، المعجم الصّغير للطّبراني : ١ / ٧١ ، النّعيم المقيم لعترة النّبأ العظيم : ٦٠٤ ، بتحقّيقنا.
(٢) طه : ٢ ـ ١.