واللّبن وأمثالهما وقف من جانبه الأيمن غلام معه نحو ثلاثين ملعقة زجاجا مجرودا ، وكان يستعمله كثيرا فيأخذ منه ملعقة يأكل بها من ذلك اللون لقمة واحدة ثم يدفعها إلى غلام آخر قام من الجانب الأيسر ، ثم يأخذ أخرى فيفعل بها فعل الأولى حتى ينال الكفاية ؛ لئلا يعيد الملعقة إلى فيه دفعة ثانية» (١). يذكر المهلبي ذلك كله ويذكر صديقه أبا الفرج فيعفو عنه ويغفر له هجاءه ، ويتصل حبل إخائهما حتى يقطعه موت المهلبي في سنة ٣٥٢ ه ثم يلحق به أبو الفرج بعد أن يخلط في ذي الحجة سنة ٢٥٦ ه على أصح الأقوال (٢).
وقد كان أبو الفرج هجّاء خبيث اللسان يحذره الناس ويتقونه ، وقد التمس ذات مرة عصا من أحد القضاة فلم يعطه إيّاها فهجاه بأبيات بلغت الغاية في الإقذاع ، ويستوزر الخليفة الراضي أبا عبد الله البريدي وكانت داره ملاصقة لدار أبي الفرج فيهجوه ويؤنب الراضي بقصيدة تزيد على مائة بيت مطلعها :
يا سماء اسقطي ويا أرض ميدي |
|
قد تولى الوزارة ابن البريدي (٣) |
وينحدر أبو الفرج إلى البصرة فيضيق بها ويهجوها وأهلها ويقول عنهم : «إنهم كلاب يلبسون الفرا».
وقد كان أبو الفرج ذا عناية ملحوظة بالحيوانات وتربيتها : «كان له سنور أبيض يسميه يققا ، وكان من عادة هذا السنور أن يخرج ويصيح إذا ما قرع باب أبي الفرج قارع إلى أن يتبعه من يفتح الباب ، وقد مرض يفق بالقولنج فشغل أبو الفرج بعلاجه وتفقده أصحابه وذهب إليه منهم أبو إسحاق الصابي وأبو العلاء صاعد وأبو علي الأنباري لقضاء حقه وتعرف خبره ، فطلع عليهم أبو الفرج بعد مدة مديدة ويده ملوثة بما ظنوه شيئا كان يأكله فقالوا له : عققناك بأن قطعناك عمّا كان أهم من قصدنا إيّاك ، فقال لهم : لا والله يا سادتي ما كنت على ما تظنون ـ
__________________
(١) معجم الأدباء ١٣ / ١٠٣.
(٢) ابن خلكان ١ / ٣٣٥.
(٣) الفخري ص ٢٥٦.