ترجع إلى عام ١٩٣٥
م ، أي قبل أن تطرح نظريات الإعجاز العلمي ، وقبل أن يلتقي العلم بالقرآن هذا
اللقاء الواسع الشامل ، وهذا يعني أن هذه المعجزة كانت بمقدار ما هي مثيرة للدهشة
والتعجّب بمظاهر الإعجاز العديدة فيها ، كانت بنفس المقدار تشغل انتباه العلماء
والمفسّرين المعاصرين ، وتقف أمامهم كتحدّ علمي لقدرات الطاقة الإنسانية العلمية
في العالم كله ، وإذا ما تذكرنا أن بداية القرن العشرين كانت دعوات النهضة
والتحرّر ورفض الخرافات والأفكار القدرية اليائسة التي كانت سائدة في تفاسير
القرآن القديمة ، والتي تريد من الإنسان أن يؤمن بكل ما قيل ويقال له ما دام واردا
كحاشية على نص القرآن الكريم ، مما طمس المعالم الحقيقية للهداية القرآنية وسط
غبار التراكم في اللامعقولات القديمة ، إذا ما تذكّرنا كل هذا فلن نعجب أن تكون
محاولة تفسير معجزة الإسراء والمعراج ، على ضوء العلوم الحديثة وقوانينها المعاصرة
، من المحاولات السبّاقة لطرح فكرة التفسير العلمي للقرآن حتى قبل أن يظهر هذا
التفسير بالمساحة الكافية المقنعة آنذاك. لقد كان عام ١٩٣٥ م هو عام صدور كتاب
محمّد حسين هيكل عن «حياة محمّد» ، الذي حاول فيه أن يكون قريبا جدا من العقلية
العلمية السائدة آنذاك في أوروبا ، حتى أن كتابه هذا كان من أدق الكتب وأعمقها
وأبعدها عن الغرابة والتغريب التي كانت محشوة بها كتب السيرة النبوية دون تمحيص
علمي أو تاريخي ، لذا فقد كان كتابه هذا من أوائل الكتب التي حاولت أن تقدم حياة
الرّسول صلىاللهعليهوسلم على ضوء العلوم الاجتماعية والتاريخ وعلم النفس ، وما يسمى
آنذاك علم الأرواح والتنويم المغناطيسي والباراسيكولوجي ... إلخ ، إضافة إلى بعض
العلوم التطبيقية. فكيف فسّر هيكل معجزة الإسراء والمعراج التي وصف تفسيره لها
بأنّه أول من فعل ذلك ، ومدحه عليه المقدم للكتاب محمّد مصطفى المراغي؟
إن المنهج الذي
أشار إليه محمّد مصطفى المراغي في محاولة تفسير القرآن على ضوء العلم الحديث لهو
جدير بالذكر حيث قال : «يقول بعض علماء الكلام إن الاطلاع على علم تشريح
الأفلاك وعلم تشريح الإنسان يدلّ أوضح دلالة على شمول العلم الإلهي لدقائق الوجود
، وأنا أقرّر أيضا أن العلم والكشف عن سنن الوجود وعجائبه سيكون نصير الدين ،
وسيقرب إلى العقل الإنساني طريق فهم ما كان غامضا مبهما ، وما كان فوق طاقة العقل
وإدراكه من قبل ، مصداقا لقوله تعالى
__________________