المقدمة
حينما فكّرت بتأليف هذا الكتاب كان في ذهني تساؤل كبير يقول : لو أن محمداصلىاللهعليهوسلم أرسل هذا اليوم في هذا العصر ، كيف كان سيتحدّث للبشرية المعاصرة؟ وبأي أسلوب وبأيّة مضامين وبأيّة معجزة؟ وبصياغة أخرى للتساؤل : لو أن القرآن الكريم أنزل هذا اليوم في هذا العصر ، كيف سيكون تحدّيه كمعجزة لهذا العصر؟ وكيف سيتحدث للخلق كلهم بما يجعلهم يسلّمون له تسليما بإعجازه المتناسب مع تطوّر البشرية علميّا اليوم؟
إن هذا السؤال يبدو كبيرا في أول وهلة ، ولكن إذا ما تعمّقنا برسالة الإسلام ، قرآنا وسنة ، وكونها مرسلة إلى البشرية جمعاء حتى يوم القيامة ، وبأن الإعجاز والمعجزة المطلوبة منها موجودة ومتمثلة في الفهم العلمي للقرآن ، على ضوء جميع المكتشفات والنظريات والقوانين العلمية المعاصرة ، بل إن هذه المعجزة العلمية ما زالت مفتوحة على المستقبل لكي تحتوي كل المستجدّات العلمية على مستوى جميع العلوم ، وفي كافة أنواع اختصاصاتها الكونية والذرية والبايولوجية ... الخ. إذا ما تعمّقنا بهذا الفهم للقرآن فسنجد أن الجواب واضح ويسير ، بل وقد أشار إليه القرآن نفسه حينما أكّد على أنه سيظهر صدقه وحقيقته في المستقبل بقوله : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ) [فصلت / ٥٣] أي إن القرآن حق بما سيبرهن عليه الزمن ، وهذا ما حصل ، ويحصل اليوم وسيحصل غدا ، حينما نجد أن القرآن قد أكّد الحقائق العلمية التي ستظهر بعد نزوله بآلاف السنين ، بحيث إذا قرأ العالم المعاصر ، المتسلّح بأحدث نظريات العلوم وقوانينها واكتشافاتها ، القرآن يجده قد أشار إليها إشارات واضحة ، وبعضها في التفصيل والبيان بحيث لا يمكن صرفها إلى غير هذه المفاهيم الجديدة المكتشفة. إذن ، فالقرآن ومعجزته العلمية التي يتحدّى بها العالم المعاصر تشير إلى أن القرآن كأنّه يتنزّل اليوم مواكبا لطبيعة العصر ، بل ومتجاوزا لإمكانياته الحالية والمستقبلية في هذا