(سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [فصلت / ٥٣] ، والكهرباء ، وما نشأ عنها من المخترعات ، قرّبت إلى العقل فهم إمكان تحوّل المادة إلى قوة ، وتحوّل القوة إلى مادة ، وعلم استحضار الأرواح فسّر للناس شيئا كثيرا مما كانوا فيه يختلفون ، وأعان على فهم تجرّد الروح وإمكان انفصالها ، وفهم ما تستطيعه من السرعة في طيّ الأبعاد ، وقد انتفع الدكتور هيكل بشيء من هذا في تقريب قصة الإسراء ، فأتى بشيء طريف».
إنّه فعلا شيء طريف ، ولكنه ليس من العلم في شيء في ضوء ما توصلنا إليه اليوم. يقول هيكل واصفا محاولته تلك : «ولصاحب هذا الرأي ، أكثر من غيره ، أن يسأل عن حكمة الإسراء والمعراج ما هي؟ وهنا موضع الرأي الذي نريد أن نبديه ولا ندري أسبقنا إليه أم لم نسبق؟». وهكذا يبدأ هيكل فصلا خاصا بعنوان «الإسراء ووحدة الوجود» جاء فيه ما يلي (١) «ففي الإسراء والمعراج في حياة محمّد الروحية معنى سام غاية السمو ، معنى أكبر من هذا الذي يصوّرون ، والذي قد يشوب بعضه من خيال المتكلمة الخصب حظ غير قليل. فهذا الروح القوي قد اجتمعت فيه ، في ساعة الإسراء والمعراج ، وحدة هذا الوجود بالغة غاية كمالها ، لم يقف أمام ذهن محمّد وروحه ، في تلك الساعة ، حجاب من الزمان أو المكان أو غيرهما من الحجب ، التي تجعل حكمنا نحن في الحياة نسبيا محدودا بحدود قوانا المحسّة والمدبّرة والعاقلة ، تداعت في هذه الساعة كل الحدود أمام بصيرة محمّد صلىاللهعليهوسلم ، واجتمع الكون كله في روحه فوعاه منذ أزله إلى أبده ، وصوّره في تطوّر وحدته إلى الكمال عن طريق الخير والفضل والجمال والحق في مغالبتها وتغلّبها على الشر والنقص والقبح والباطل بفضل من الله ومغفرة ، وليس يستطيع هذا السموّ إلّا قوة فوق ما تعرف الطبائع الإنسانية ، فإذا جاء بعد ذلك ممّن اتّبعوا محمّدا من عجز عن متابعته في سموّ فكرته وقوة إحاطته بوحدة الكون في كماله ، وفي جهاده لبلوغ هذا الكمال ، فلا عجب في ذلك ولا عيب فيه ، والممتازون من الناس والموهوبون منهم درجات ، وبلوغنا الحقيقة معرّض دائما لهذه الحدود التي تعجز قوانا عن تخطّيها .. وإذا كان القياس مع الفارق أن نذكر ، لمناسبة ما نحن الآن بصدده ، قصة أولئك المكفوفين الذين أرادوا أن يعرّفوا الفيل ما هو ، فقال أحدهم : إنه حبل طويل ، لأنه صادف ذنبه ، وقال الآخر : إنه غليظ كالشجرة ، لأنه صادف رجله ، وقال ثالث : إنه
__________________
(١) حياة محمّد ـ محمّد حسين هيكل ، ص ١٣١.