واحدة ، وقد سئل سفيان كم يدعو الإنسان لوالديه في اليوم مرة أو في الشهر أو في السنة؟ فقال : نرجو أن يجزيه إذا دعا لهما في آخر التشهدات كما أن الله تعالى قال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ) [الأحزاب : ٥٦] فكانوا يرون التشهد يكفي في الصلاة على النبي صلىاللهعليهوسلم وكما قال سبحانه : (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ) [البقرة : ٢٠٣] ثم يكبرون في أدبار الصلاة ، هذا وقد بالغ عزوجل في التوصية بهما من وجوه لا تخفى ولو لم يكن سوى أن شفع الإحسان إليهما بتوحيده سبحانه ونظمهما في سلك القضاء بهما معا لكفى ، وقد روى ابن حبان والحاكم وقال : صحيح على شرط مسلم عن النبي صلىاللهعليهوسلم (١) قال «رضا الله تعالى في رضا الوالدين وسخط الله تعالى في سخط الوالدين» وصح أن رجلا جاء يستأذن النبي صلىاللهعليهوسلم في الجهاد معه فقال: أحي والداك؟ قال : نعم قال : ففيهما فجاهد ، وجاء أنه عليه الصلاة والسلام قال : «لو علم الله تعالى شيئا أدنى من آلاف لنهى عنه فليعمل العاق ما شاء أن يعمل فلن يدخل الجنة وليعمل البار ما شاء أن يعمل فلن يدخل النار». ورأى ابن عمر رضي الله تعالى عنهما رجلا يطوف بالكعبة حاملا أمه على رقبته فقال: يا ابن عمر أتراني جزيتها؟ قال : لا ولا بطلقة واحدة ولكنك أحسنت والله تعالى يثيبك على القليل كثيرا.
وروى مسلم وغيره «لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه» وروى البيهقي في الدلائل والطبراني في الأوسط والصغير بسند فيه من لا يعرف عن جابر قال : جاء رجل إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله إن أبي أخذ مالي فقال النبي عليه الصلاة والسلام : «فاذهب فأتني بأبيك فنزل جبريل عليهالسلام على النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : إن الله تعالى يقرئك السلام ويقول : إذا جاءك الشيخ فسله عن شيء قاله في نفسه ما سمعته أذناه فلما جاء الشيخ قال له النبي صلىاللهعليهوسلم : «ما بال ابنك يشكوك تريد أن تأخذ ماله؟ قال : سله يا رسول الله هل أنفقته إلا على عماته وخالاته أو على نفسي فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : ايه دعنا من هذا أخبرني عن شيء قلته في نفسك ما سمعته أذناك فقال الشيخ : والله يا رسول الله ما يزال الله تعالى يزيدنا بك يقينا لقد قلت في نفسي شيئا ما سمعته أذناي فقال : قل وأنا أسمع فقال : قلت :
غذوتك مولودا ومنتك يافعا |
|
تعل بما أجني عليك وتنهل |
إذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبت |
|
لسقمك إلا ساهرا أتملل |
كأني أنا المطروق دونك بالذي |
|
طرقت به دوني فعيني تهمل |
تخاف الردى نفسي عليك وإنها |
|
لتعلم أن الموت وقت مؤجل |
فلما بلغت السن والغاية التي |
|
إليها مدى ما كنت فيها أؤمل |
جعلت جزائي غلظة وفظاظة |
|
كأنك أنت المنعم المتفضل |
فليتك إذ لم ترع حق أبوتي |
|
فعلت كما الجار المجاور يفعل |
تراه معدا للخلاف كأنه |
|
برد على أهل الصواب موكل |
قال : فحينئذ أخذ النبي صلىاللهعليهوسلم بتلابيب ابنه وقال : «أنت ومالك لأبيك» والأم مقدمة في البر على الأب فقد روى الشيخان يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال : أمك قال : ثم من؟ قال : أمك قال : ثم من؟ قال : أبوك». ولا يختص البر بالحياة بل يكون بعد الموت أيضا ، فقد روى ابن ماجة «يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ فقال : نعم الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإيفاء عهدهما من بعدهما وصلة الرحم
__________________
(١) ورجح الترمذي وقفه اه منه.