ولعل ترتيب هبتهما على اعتزاله هاهنا لبيان كمال عظم النعم التي أعطاها الله تعالى إياه بمقابلة من اعتزلهم من الأهل والأقرباء فإنهما شجرتا الأنبياء ولهما أولاد وأحفاد أولو شأن خطير وذوو عدد كثير مع أنه سبحانه أراد أن يذكر إسماعيل عليهالسلام بفضله على الانفراد. وروي أنه عليهالسلام لما قصد الشام أتى أولا حران وتزوج سارة وولدت له إسحاق وولد لإسحاق يعقوب. والأول هو الأقرب الأظهر (وَكُلًّا) أي كل واحد من إسحاق ويعقوب أو منهما ومن إبراهيم عليهالسلام وهو مفعول أول لقوله تعالى (جَعَلْنا نَبِيًّا) قدم عليه للتخصيص لكن لا بالنسبة إلى من عداهم بل بالنسبة إلى بعضهم أي كل واحد منهم (جَعَلْنا نَبِيًّا) لا بعضهم دون بعض ، ولا يظهر في هذا الترتيب على الوجه الثاني في (كُلًّا) كون إبراهيم عليهالسلام نبيا قبل الاعتزال (وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا) قال الحسن : النبوة.
ولعل ذكر ذلك بعد ذكر جعلهم أنبياء للإيذان بأن النبوة من باب الرحمة التي يختص بها من يشاء. وقال الكلبي : هي المال والولد وقيل هو الكتاب والأظهر أنها عامة لكل خير ديني ودنيوي أوتوه مما لم يؤت أحد من العالمين (وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا) تفتخر بهم الناس ويثنون عليهم استجابة لدعوته عليهالسلام بقوله (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) [الشعراء : ٨٤] وزيادة على ذلك. والمراد باللسان ما يوجد به من الكلام فهو مجاز بعلاقة السببية كاليد في العطية ولسان العرب لغتهم. ويطلق على الرسالة الرائع كما في قول أعشى باهلة :
إني أتتني لسان لا أسر بها
ومنه قول الآخر ندمت على لسان كان مني وإضافته إلى الصدق ووصفه بالعلو للدلالة على أنهم أحقاء بما يثنون عليهم وأن محامدهم لا تخفى كأنها نار على علم على تباعد الأعصار وتبدل الدول وتغير الملل والنحل ، وخص بعضهم لسان الصدق بما يتلى في التشهد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم والعموم أولى.
(وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا (٥١) وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا (٥٢) وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا (٥٣) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا (٥٤) وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (٥٥) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (٥٦) وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا (٥٧) أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا (٥٨) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (٥٩) إِلاَّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (٦٠) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (٦١) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلاَّ سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا (٦٢) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا (٦٣) وَما نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (٦٤) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (٦٥) وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (٦٦) أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً (٦٧) فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (٦٨) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى