وفي هذا دليل على فساد قول القائلين بأن النار تحرق بالطبيعة من غير مدخلية لإذن الله تعالى في ذلك إذ لو كان الأمر كما زعموا لأحرقت يده. وذكر في حكمة إذن الله تعالى لها بإحراق لسانه دون يده أن يده صارت آلة لما ظاهره الإهانة لفرعون. ولعل تبييضها كان لهذا أيضا وإن لسانه كان آلة لضد ذلك بناء على ما روي أنه عليهالسلام دعاه بما يدعو به الأطفال الصغار آبائهم. وقيل : احترقت يده عليهالسلام أيضا فاجتهد فرعون في علاجها فلم تبرأ. ولعل ذلك لئلا يدخلها عليهالسلام مع فرعون في قصة واحدة فتفقد بينهما حرمة المؤاكلة فلما دعاه قال : إلى أي رب تدعوني؟ قال : إلى الذي أبرأ يدي وقد عجزت عنه. وكان الظاهر على هذا أن يطرح عليهالسلام النار من يده ولا يوصلها إلى فيه. ولعله لم يحس بالألم إلا بعد أن أوصلها فاه أو أحس لكنه لم يفرق بين إلقائها في الأرض وإلقائها في فمه وكل ذلك بتقدير الله تعالى ليقضي الله أمرا كان مفعولا. وقيل : كانت العقدة في لسانه عليهالسلام خلقة. وقيل : إنها حدثت بعد المناجاة وفيه بعد.
واختلف في زوالها بكمالها فمن قال به كالحسن تمسك بقوله تعالى (قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى) [طه : ٣٦] من لم يقل به كالجبائي احتج بقوله تعالى (هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي) [القصص : ٣٤] وقوله سبحانه (وَلا يَكادُ يُبِينُ) [الزخرف : ٥٢].
وبما روي أنه كان في لسان الحسين رضي الله تعالى عنه رتة وحبسة فقال النبي صلىاللهعليهوسلم فيه : إنه ورثها من عمه موسى عليهالسلام. وأجاب عن الأول بأنه عليهالسلام لم يسأل حل عقدة لسانه بالكلية بل عقدة تمنع الإفهام ولذلك نكرها ووصفها بقوله (مِنْ لِسانِي) ولم يضفها مع أنه أخصر ولا يصلح ذلك للوصفية إلا بتقدير مضاف وجعل (مِنْ) تبعيضية أي عقدة كائنة من عقد لساني فإن العقدة للسان لا منه. وجعل قوله تعالى : (يَفْقَهُوا قَوْلِي) جواب الطلب وغرضا من الدعاء فبحلها في الجملة يتحقق إيتاء سؤله عليهالسلام. واعترض على ذلك بأن قوله تعالى (هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي) قال عليهالسلام قبل استدعاء الحل على أنه شاهد على عدم بقاء اللكنة لأن فيه دلالة على أن موسى عليهالسلام كان فصيحا غايته أن فصاحة أخيه أكثر وبقية اللكنة تنافي الفصاحة اللغوية المرادة هنا بدلالة قوله لسانا. ويشهد لهذه المنافاة ما قاله ابن هلال في كتاب الصناعتين : الفصاحة تمام آلة البيان ولذا لا يقال لله تعالى : فصيح وإن قيل لكلامه سبحانه فصيح ولذلك لا يسمى الألثغ والتمتام فصيحين لنقصان آلتهما عن إقامة الحروف وبأن قوله تعالى (وَلا يَكادُ يُبِينُ) معناه لا يأتي ببيان وحجة ، وقد قال ذلك اللعين تمويها ليصرف الوجوه عنه عليهالسلام ، ولو كان المراد نفي البيان وإفهام الكلام لاعتقال اللسان لدل على عدم زوال العقدة أصلا ولم يقل به أحد ، وبأنا لا نسلم صحة الخبر ، وبأن تنكير (عُقْدَةً) يجوز أن يكون لقلتها في نفسها. ومن يجوز تعلقها باحلل كما ذهب إليه الحوفي واستظهره أبو حيان فإن المحلول إذا كان متعلقا بشيء ومتصلا به فكما يتعلق الحل به يتعلق بذلك الشيء أيضا باعتبار إزالته عنه أو ابتداء حصوله منه ، وعلى تقدير تعلقها بمحذوف وقع صفة لعقدة لا نسلم وجوب تقدير مضاف وجعل من تبعيضية ، ولا مانع من أن تكون بمعنى في ولا تقدير أي عقدة في لساني بل قيل : ولا مانع أيضا من جعلها ابتدائية مع عدم التقدير وأي فساد في قولنا : عقدة ناشئة من لساني. والحاصل أن ما استدل به على بقاء عقدة ما في لسانه عليهالسلام وعدم زوالها بالكلية غير تام لكن قال بعضهم : إن الظواهر تقتضي ذلك وهي تكفي في مثل هذه المطالب وثقل ما في اللسان لا يخفف قدر الإنسان. وقد ذكر أن في لسان المهدي المنتظر رضي الله تعالى عنه حبسة وربما يتعذر عليه الكلام حتى يضرب بيده اليمنى فخذ رجله اليسرى وقد بلغك ما ورد في فضله. وقال بعضهم : لا تقاوم فصاحة الذات إعراب الكلمات. وأنشد قول القائل :