مساق الحديث وبيان أنه أمر مستمر فيما بين الأنبياء عليهمالسلام كابرا عن كابر وقد خوطب به موسى عليهالسلام حيث قيل له (إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا) [طه : ١٤] وبه ختم عليهالسلام مقاله حيث قال : (إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) [طه : ٩٨] وقيل : مسوق لتسليته صلىاللهعليهوسلم كقوله تعالى : (ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) [بناء على ما نقل عن مقاتل في سبب النزول إلا أن الأول تسلية له عليه الصلاة والسّلام برد ما قاله قومه وهذا تسلية له صلىاللهعليهوسلم بأن إخوانه من الأنبياء عليهمالسلام قد عراهم من أممهم ما عراهم وكانت العاقبة لهم وذكر مبدأ نبوة موسى عليهالسلام نظير ما ذكر إنزال القرآن عليه عليه الصلاة والسّلام.
وقيل : مسوق لترغيب النبي صلىاللهعليهوسلم في الائتساء بموسى عليهالسلام في تحمل أعباء النبوة والصبر على مقاساة الخطوب في تبليغ أحكام الرسالة بعد ما خاطبه سبحانه بأنه كلفه التبليغ الشاق بناء على أن معنى قوله تعالى (ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى) إنا أنزلنا عليك القرآن لتحتمل متاعب التبليغ ومقاولة العتاة من أعداء الإسلام ومقاتلتهم وغير ذلك من أنواع المشاق وتكاليف النبوة وما أنزلنا عليك هذا المتعب الشاق إلا ليكون تذكرة فالواو كما قاله غير واحد لعطف القصة على القصة ولا نظر في ذلك إلى تناسبهما خيرا وطلبا بل يشترط التناسب فيما سيقاتله مع أن المعطوف هاهنا قد يؤول بالخبر.
ولا يخفى أن ما تقدم جار على سائر الأوجه والأقوال في الآية السابقة ، وسبب نزولها ولا يأباه شيء من ذلك ، والاستفهام تقريري ، وقيل : هل بمعنى قد ؛ وقيل : الاستفهام إنكاري ومعناه النفي أي ما أخبرناك قبل هذه السورة بقصة موسى عليهالسلام ونحن الآن مخبروك بها والمعول عليه الأول ، والحديث الخبر ويصدق على القليل والكثير ويجمع على أحاديث على غير قياس.
قال الفراء : نرى أن واحد الأحاديث أحدوثة ثم جعلوه جمعا للحديث ، وقال الراغب : الحديث كل كلام يبلغ الإنسان من جهة السمع أو الوحي في يقظته أو منامه ويكون مصدرا بمعنى التكلم. وحمله بعضهم على هذا هنا بقرينة (فَقالَ) إلخ ، وعلق به قوله تعالى (إِذْ رَأى ناراً) ولم يجوز تعلقه على تقدير كونه اسما للكلام والخبر لأنه حينئذ كالجوامد لا يعمل ، والأظهر أنه اسم لما ذكر لأنه هو المعروف مع أن وصف القصة بالإتيان أولى من وصف التحدث والتكلم به وأمر التعلق سهل فإن الظرف يكفي لتعلقه رائحة الفعل ، ولذا نقل الشريف عن بعضهم أن القصة والحديث والخبر والنبأ يجوز إعمالها في الظروف خاصة وإن لم يرد بها المعنى المصدري لتضمن معناها الحصول والكون.
وجوز أن يكون ظرفا لمضمر مؤخر أي حين رأى نارا كان كيت وكيت ، وأن يكون مفعولا لمضمر متقدم أي فاذكر وقت رؤيته نارا. روي أن موسى عليهالسلام استأذن شعيبا عليهالسلام في الخروج من مدين إلى مصر لزيارة أمه وأخيه وقد طالت مدة جنايته بمصر ورجا خفاء أمره فأذن له وكان عليهالسلام رجلا غيورا فخرج بأهله ولم يصحب رفقة (١) لئلا ترى امرأته وكانت على أتان وعلى ظهرها جوالق فيها أثاث البيت ومعه غنم له وأخذ عليهالسلام على غير الطريق مخافة من ملوك الشام فلما وافى وادي طوى وهو بالجانب الغربي من الطور ولد له ابن في ليلة مظلمة شاتية مثلجة وكانت ليلة الجمعة وقد ضل الطريق وتفرقت ماشيته ولا ماء عنده وقدح فصلد زنده فبينما هو كذلك إذ رأى نارا على يسار الطريق من جانب الطور (فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا) أي أقيموا مكانكم أمرهم عليهالسلام بذلك لئلا يتبعوه فيما عزم عليه من الذهاب إلى النار كما هو المعتاد لا لئلا ينتقلوا إلى موضع آخر فإنه مما لا يخطر بالبال ، والخطاب
__________________
(١) وقيل خرج برفقة إلا أنه كان يصحبهم ليلا ويفارقهم نهارا لغيرته اه منه.