الرَّحْمنِ عِتِيًّا (٦٩) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا (٧٠) وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا (٧١) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا (٧٢) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (٧٣) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً (٧٤) قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً)(٧٥)
(وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى) قيل قدم ذكره على إسماعيل عليهماالسلام لئلا ينفصل عن ذكر يعقوب عليهالسلام. وقيل : تعجيلا لاستجلاب أهل الكتاب بعد ما فيه استجلاب العرب. (إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً) موحدا أخلص عبادته عن الشرك والرياء أو أسلم وجهه لله عزوجل وأخلص عن سواه.
وقرأ الكوفيون وأبو رزين ويحيى وقتادة «مخلصا» بفتح اللام على أن الله تعالى أخلصه (وَكانَ رَسُولاً) مرسلا من جهة الله تعالى إلى الخلق بتبليغ ما شاء من الأحكام (نَبِيًّا) رفيع القدر على كثير من الرسل عليهمالسلام أو على سائر الناس الذين أرسل إليهم فالنبي من النبوة بمعنى الرفعة. ويجوز أن يكون من النبأ وأصله نبيء أي المنبئ عن الله تعالى بالتوحيد والشرائع (١) ورجح الأول بأنه أبلغ قيل ولذلك قال صلىاللهعليهوسلم «لست بنبيء الله تعالى بالهمزة ولكن نبي الله تعالى» لمن خاطبه بالهمز وأراد أن يغض منه. والذي ذكره الجوهري أن القائل أراد أنه عليه الصلاة والسّلام أخرجه قومه من نبأ فأجابه صلىاللهعليهوسلم بما يدفع ذلك الاحتمال. ووجه الإتيان بالنبي بعد الرسول على الأول ظاهر. ووجه ذلك على الثاني موافقة الواقع بناء على أن المراد أرسله الله تعالى إلى الخلق فأنبأهم عنه سبحانه.
واختار بعضهم أن المراد من كلا اللفظين معناهما اللغوي وأن ذكر النبي بعد الرسول لما أنه ليس كل مرسل نبيا لأنه قد يرسل بعطية أو مكتوب أو نحوهما (وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ) الطور جبل بين مصر ومدين والأيمن صفة لجانب لقوله تعالى في آية أخرى (جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ) بالنصب أي باديناه من ناحيته اليمنى من اليمين المقابل لليسار. والمراد به يمين موسى عليهالسلام أي الناحية التي تلي يمينه إذ الجبل نفسه لا ميمنة له ولا ميسرة. ويجوز أن يكون الأيمن من اليمن وهو البركة وهو صفة لجانب أيضا أي من جانبه الميمون المبارك.
وجوز على هذا أن يكون صفة للطور والأول أولى ، والمراد من ندائه من ذلك ظهور كلامه تعالى من تلك الجهة ، والظاهر أنه عليهالسلام إنما سمع الكلام اللفظي ، وقال بعض : إن الذي سمعه كان بلا حرف ولا صوت وأنه عليهالسلام سمعه بجميع أعضائه من جميع الجهات وبذلك يتيقن أن المنادي هو الله تعالى ، ومن هنا قيل : إن المراد ناديناه مقبلا من جانب الطور المبارك وهو طور ما وراء طور العقل ، وفي الأخبار ما ينادي على خلافه (وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا) تقريب تشريف مثل حاله عليهالسلام بحال من قربه الملك لمناجاته واصطفاه لمصاحبته ورفع الوسائط بينه وبينه ، و (نَجِيًّا) فعيل بمعنى مفاعل كجليس بمعنى مجالس ونديم بمعنى منادم من المناجاة المسارّة بالكلام ونصبه على الحالية من أحد ضميري موسى عليهالسلام في ناديناه وقربناه أي ناديناه أو قربناه حال كونه مناجيا ، وقال غير واحد. مرتفعا على أنه من النجو وهو الارتفاع.
__________________
(١) لم يقصد به الاعتراض اه منه.